ـ[تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق]ـ
المؤلف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (المتوفى: ٧٤٤ هـ)
تحقيق: سامي بن محمد بن جاد الله وعبد العزيز بن ناصر الخباني
دار النشر: أضواء السلف - الرياض
الطبعة: الأولى، ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
عدد الأجزاء: ٥
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم فضيلة الشيخ المحدِّث عبد الله بن عبد الرحمن السعد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
لا يخفى أن الأحكام الفقهية مبنية على نصوص الكتاب والسنة، ولذا اعتنى العلماء بالتأليف في أحكام القرآن، واعتنوا أيضًا بأحاديث الأحكام جمعًا وشرحًا وتخريجًا، ومن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب "التحقيق" لأبي الفرج بن الجوزي، وقد اعتنى بكتابه هذا أبو عبد الله بن عبد الهادي في كتابه "تنقيح التحقيق"، وامتاز كتابه بعدة مزايا، منها:
١ - أن أصله (وهو كتاب "التحقيق") يذكر الأحاديث التي يستدل بها الحنابلة ومخالفيهم، فحصل فيه بذلك نوع من الشمول الذي تفتقده بعض الكتب الأخرى المؤلفة في أحاديث الأحكام التي تختص بالأحاديث التي يستدل بها أصحاب مذهب معين.
٢ - أن مؤلفه له عناية كبيرة بأحاديث الأحكام، كما يعلم من ترجمته، وقد شهد له بذلك الموافق والمخالف، وكتابه " المحرر " خير شاهد على ذلك.
٣ - أنه اعتنى بالكلام على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا وفق طريقة علماء الحديث المتقدمين.
٤ - أنه كان بعيدا عن التعصب، ملتزمًا الإنصاف في الكلام على
المقدمة / 5
الأحاديث والمسائل الفقهية، ولا يخفى أن الغاية من الاشتغال بعلم الحديث هي العمل بما دلت عليه السنة النبوية والبعد عن التعصب لأقوال الرجال.
ويعد كتاب "التنقيح" دراسة عملية لقواعد الحكم على الأحاديث، وهو مع كتاب "نصب الراية" للزيلعي، و"التلخيص الحبير" لابن حجر، من أهم كتب التخريج التي تساعد طالب العلم على تعلم طريقة الحكم على الأحاديث ودراسة الأسانيد عمليًّا.
وقد قام الأخ / سامي بن محمد بن جاد الله، والأخ / عبد العزيز بن ناصر الخباني، بتحقيق كتاب "تنقيح التحقيق"، فجزاهما الله خيرًا.
وكنت ذكرت في تقدمة كتاب "التعليقة على العلل لابن أبي حاتم" أن أبا عبد الله بن عبد الهادي كان على منهج الأئمة المتقدمين في علم الحديث، وأن الدليل على ذلك من جهتين:
١ - إجمالًا. ٢ - وتفصيلًا.
ثم بينت الدليل الإجمالي.
ثم شرعت في بيان الدليل التفصيلي، وهو دراسة كتبه كـ " الصارم المنكي " وغيره، ثم شرعت في الكلام على الحديث الأول من أحاديث " الصارم المنكي "، وهو حديث ابن عمر في الزيارة، فسقت كلام السبكي عليه من كتابه " شفاء السقام " بنصه، ثم أتبعته بكلام ابن عبد الهادي من " الصارم " بنصه.
ثم ذكرت أن الصحيح في هذا الحديث هو ما ذهب إليه ابن عبد الهادي من تضعيفه ورده، وأنه مسبوق في ذلك من كبار الحفاظ.
وذكرت أن هذا الحديث معلول بعدة علل، واقتصرت هناك على بيان
المقدمة / 6
علتين من علله، وهما:
١ - ضعف موسى بن هلال، وأنه لا يحتج به.
٢ - أن الراجح أن العمري الذي في الإسناد هو عبد الله (المكبر)، لا عبيد الله (المصغر) الثقة، وأن الراجح في عبد الله أنه مع صلاحه في نفسه واستقامته في ذاته إلا أنه لا يحتج بحفظه، ولكن يكتب حديثه، وذلك لوجوه ثلاثة، هي:
١) أن هذا هو قول جمهور الحفاظ.
٢) أن بعض الحفاظ جرحه جرحًا مفسرًا.
٣) أن هناك عددًا من الأحاديث أنكرت على العمري، وأحاديث أخرى
تفرد بها قد تستنكر عليه.
وقد تكلمت هناك عن الوجه الأول، وأكمل هنا الكلام عن بقية الأوجه، ثم أتكلم عن بقية العلل التي يعل بها هذا الحديث، فأقول وبالله التوفيق:
* * *
المقدمة / 7
الوجه الثاني من الأوجه التي تدل على عدم الاحتجاج بعبد الله العمري: أن بعض الحفاظ جرحه جرحًا مفسرًا.
قال البخاري: عبد الله العمري ذاهب، لا أروي عنه شيئًا.
قال الإمام أحمد - في رواية أبي زرعة (١) -: كان يزيد في الأسانيد، ويخالف، وكان رجلًا صالحًا. ا. هـ من "تاريخ بغداد" (١٠/ ٢٠).
وقال يعقوب بن شيبة: هو رجل صالح، مذكور بالعلم والصلاح، وفي حديثه بعض الضعف والاضطراب، ويزيد في الأسانيد كثيرًا.
وقال صالح بن محمد الأسدي: لين، مختلط الحديث.
وقال أبو حاتم ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط، فاستحق الترك.
وقال أبو بكر البيهقي في "سننه الكبرى" (٦/ ٣٢٥): كثير الوهم.
وقال أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" (١٣/ ٢٤١): ضعيف ليس بحجة عندهم لتخليطه في حفظه.
وقال الخليلي: ثقة غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه، ولم يخرّج لذلك في "الصحيحين" ا. هـ من " الإرشاد " (١/ ١٩٣).
كل هؤلاء الحفاظ تكلموا في حديث عبد الله العمري، وفسَّروا جرحهم، فأحمد بيَّن أنه كان يزيد في الأسانيد ويخالف.
_________
(١) هو الدمشقي.
المقدمة / 8
والبخاري قال: ذاهب. يعني - والله أعلم -: ذاهب الحديث.
ويعقوب بن شيبة ذكر أن في حديثه بعض الضعف والاضطراب، ويزيد في الأسانيد كثيرًا، وبيَّن صالح الأسدي أنه مختلط الحديث.
وذكر البيهقي أنه كثير الوهم.
ولا يخفى أن من القرائن والأدلة التي يرجع إليها في الحكم على الراوي: أن يكون جرح من جرحه مفسرًا، والله تعالى أعلم.
* * *
المقدمة / 9
الوجه الثالث: أن العمري فد استنكرت عليه عدة أحاديث، وتفرد بجملة من الأحاديث، ومن ذلك ما يلي:
١ - حديث منكر: قال ابن وهب في كتابه "الجامع" (٧١): وحدثني عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ قال: " أصدق الأسماء الحارث وهمام، وأبغضها إلى الله حرب ومرة، وأكذبها خالد ومالك، لا مالك إلا الله ".
قلت: أخرج مسلم (٢١٣٢) أصل هذا الحديث، فقال: حدثني إبراهيم بن زياد أخبرنا عباد بن عباد عن عبيد الله بن عمر وأخيه عبد الله يحدثان عن نافع عن ابن عمر رفعه: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ".
قلت: وأول الحديث: " أصدق الأسماء حارث وهمام، وأبغضها إلى الله حرب ومرة " جاء من طرق، ولا يصح منها شيء.
وأما زيادة " وأكذبها خالد ومالك ... " فلعلها لم تأت إلا في هذا الحديث، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث رجاله كلهم ثقات مشاهير ما عدا عبد الله العمري، فالظاهر أن العلة منه.
٢ - حديث آخر: حديث التكبير عند سجود التلاوة، أخرجه أبو داود (١٤١٣): ثنا أحمد بن الفرات أخبرنا عبد الرزاق أنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله ﷺ يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجدنا.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٥٧ رقم: ٦٤٦١): ثنا حماد ثنا عبد الله عن نافع به
المقدمة / 10
بدون التكبير.
قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم (٥٧٥) من طريقين عن عبيد الله بن عمر عن نافع به، وليس فيه ذكر التكبير.
وأخرجه أبو داود (١٤١١) من طريق مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن نافع به، وليس فيه ذكر التكبير.
وقد تكلم على هذه الزيادة التي تفرد بها العمري ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " (٤/ ١٩٧).
٣ - حديث آخر: قال أبو داود (٢٠٧٩): ثنا عقبة بن مكرم ثنا أبو قتيبة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رفعه: " إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل ".
قال أبو داود: هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر ﵄. ا. هـ.
ورواه أيضًا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع به، ورفعه.
ولكن رواه أبو عاصم وحجاج وعبد الرزاق عن ابن جريج بهذا الإسناد موقوفًا، وهو الصواب، وكذلك رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
ذكر ذلك الدارقطني (١).
قلت: فعلى هذا الصواب في هذا الخبر وقفه، ولعل العمري هو الذي
_________
(١) ينظر: " بيان الوهم والإيهام " (٢/ ٤٨ رقم: ١١٧؛ ٤/ ١٩٨).
المقدمة / 11
أخطأ في رفعه.
٤ - حديث آخر: قال الطبراني (١٢/ ٣٦٤ - رقم: ١٣٣٥٦): ثنا يحيى ابن عثمان بن صالح ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرني الليث بن سعد عن ابن وهب عن العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ لم يسجد يوم ذي اليدين.
قلت: لا شك في أنه ﷺ سجد يوم ذي اليدين، وقد خالفه عبيد الله العمري فرواه عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، وفيه ذكر السجود، وحديثه رواه ابن أبي شيبة (٤٥١٤) وأبو داود (١٠٠٩) وابن ماجه (١٢١٣) وابن خزيمة (١٠٣٤) كلهم عن أبي أسامة عنه به.
وأيضًا قد نص العلماء على وهم وغلط الزهري في نفيه لسجود السهو في حديث ذي اليدين، قال مسلم في كتابه " التمييز " (ص ١٨٣): وخبر ابن شهاب هذا في قصة ذي اليدين وهم غير محفوظ، لتظاهر الأخبار الصحاح عن رسول الله ﷺ في هذا ....
ثم قال بعد أن ساق جملة من الروايات: فقد صح بهذه الروايات المشهورة المستفيضة في سجود رسول الله ﷺ يوم ذي اليدين أن الزهري واهم في روايته إذ نفى ذلك في خبره من فعل رسول الله ﷺ ا. هـ.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (١/ ٣٦٦): ولا أعلم أحدًا من أهل العلم والحديث المنصفين (١) فيه عول على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين، لاضطرابه فيه، وأنه لم يتم له إسنادًا ولا متنًا، وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحد، والكمال ليس لمخلوق، وكل أحد يؤخذ
_________
(١) كذا، ولعلها: المصنفين.
المقدمة / 12
من قوله ويترك إلا النبي ﷺ ا. هـ.
وبهذا تتبين نكارة الحديث الذي رواه الطبراني، ورجاله كلهم ثقات مشاهير عدا عبد الله بن عمر العمري، فلعل الخطأ منه.
٥، ٦ - حديثان آخران: قال أبو بكر البزار في مسنده (١٦٢): وثنا إبراهيم بن زياد الصايغ نا يونس بن محمد نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي ﷺ: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه ".
وقال أيضًا:
ونا يونس بن محمد نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رفعه: " إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ".
قال البزار: وهذان الحديثان إنما يرويهما الثقات الحفاظ عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ، ولا نعلم أحدًا قال: عن ابن عمر عن عمر إلا عبد الله بن عمر العمري، ولم يتابع عليه ا. هـ.
٧ - حديث آخر: قال أحمد في "المسند" (٥٩٤٩): ثنا سريج ثنا عبد الله عن سعيد المقبري قال: جلست إلى ابن عمر ومعه رجل يحدثه فدخلت معهما فضرب بيده صدري وقال: أما علمت أن رسول الله ﷺ قال: " إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما ".
وأخرجه أيضًا في موضع آخر (٢/ ١٣٨): ثنا نوح أنا عبد الله به.
وأخرجه الدارقطني في "العلل" (٤/ ورقة ٧٣) - كما في حاشية "المسند" طبع الرسالة - من طريق أبي أسامة عن العمري به.
ورواه عبيد الله بن عمر عن المقبري عن ابن عمر موقوفًا، أخرجه
المقدمة / 13
الدارقطني في "العلل" من طريق يحيى القطان عن عبيد الله به، وعبيد الله يقدم في المقبري كما قال الإمام أحمد، هذا مع إتقانه وحفظه، فروايته هي الأرجح.
ومتن هذا الخبر لا شك في صحته مرفوعًا، فقد أخرج البخاري (٦٢٨٨) ومسلم (٢١٨٣) من طريق نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر ".
ولكن المقصود هنا رواية المقبري عن ابن عمر، فالصواب فيها الوقف كما في رواية عبيد الله عنه (١).
٨ - حديث آخر: قال عبد الله بن أحمد في " السنة " (١٣٦٠) وفي زوائده على " فضائل الصحابة " (٦٣): ثني سلمة بن شبيب ثنا مروان بن محمد الطاطري ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ما كنا نختلف في عهد رسول الله ﷺ أن الخليفة بعد رسول الله ﷺ أبو بكر، وأن الخليفة بعد أبي بكر عمر، وأن الخليفة بعد عمر عثمان.
قلت: وهذا الحديث بهذا السياق منكر من أجل ذكر الخلافة، وإنما اللفظ الصحيح ما رواه البخاري في "صحيحه" (٣٦٩٧) قال: حدثني محمد ابن حاتم بن بزيع حدَّثنا شاذان حدَّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ﵄ قال: كنا في زمن النبي ﷺ لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي ﷺ لا نفاضل بينهم.
٩ - حديث آخر: قال النسائي في " الكبرى " (٢/ ١٠٢٦٩): أخبرنا
_________
(١) وينظر: "العلل" للدارقطني (١٠/ ٣٤٥) و"الفتح" لابن حجر (١/ ١٥٠).
المقدمة / 14
العباس بن محمد ثنا خالد بن مخلد ثنا عبد الله بن عمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد عن ابن عمر أنه أراد أن يودِّع رجلًا، فقال: تعال أودعك كما كان رسول الله ﷺ يودعنا: " استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك ".
أخبرني الحسن بن إسماعيل ثنا عبدة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل ثنا قزعة عن ابن عمر به.
أخبرنا أحمد بن سليمان ثنا أبو نعيم ثنا عبد العزيز عن يحيى بن إسماعيل ابن جرير عن قزعة قال: أرسلني ابن عمر إلى حاجة ... فذكره ا. هـ.
قلت: خالف عبدةُ - وهو ابن سليمان الكلابي - وأبو نعيم - وكلاهما من الثقات الأثبات - عبد الله بن عمر العمري، ولا شك أن روايتهما أصح، وقد تابعهما أبو ضمرة أيضًا.
قال النسائي (١٠٢٧٠): أخبرنا أحمد بن حرب ثنا أبو ضمرة عن عبد العزيز بن عمر عن يحيى بن إسماعيل بن جرير عن قزعة به. أنا الحسين بن حريث أنا عيسى عن عبد العزيز بن عمر حدثني إسماعيل ابن محمد بن سعد عن قزعة به.
أخبرنا هشام بن عمار عن يحيى ثني عبد العزيز بن عمر عن قزعة به ا. هـ.
قلت: وأصح هذه الروايات رواية الجماعة، وهم: عبدة بن سليمان وأبو نعيم وأبو ضمرة، وأضعف هذه الروايات رواية عبد الله العمري، لأنها أكثرها مخالفة لباقي الروايات.
وإن كان هذا الحديث جاء من طريق أخرى عن مجاهد عن ابن عمر،
المقدمة / 15
ولكنه من غير طريق عبد العزيز بن عمر، والمقصود هنا في مخالفة العمري هي طريق عبد العزيز بن عمر الذي وقع عليه الاختلاف، قال النسائي (١٠٢٦٩): أنا أحمد بن إبراهيم بن محمد ثنا ابن عائذ ثنا الهيثم بن حميد ثنا المطعم عن مجاهد عن ابن عمر به.
١٠ - حديث آخر: قال عبد الرزاق (٥٠٢٢): عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ليس على النساء أذان ولا إقامة.
وأخرجه البيهقي في " الكبرى " (١/ ٤٠٨) من طريق بحر بن نصر قال: قرئ على ابن وهب أخبرك عبد الله بن عمر عن نافع به.
قلت: جاء عن ابن عمر ﵄ بإسناد أقوى مما تقدم، ظاهره يخالف السابق:
قال أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (١/ ٢٢٣): نا أبو خالد عن ابن عجلان عن وهب بن كيسان قال: سئل ابن عمر: هل على النساء أذان؟
فغضب، قال: أنا أنهى عن ذكر الله!
ووهب بن كيسان أدرك ابن عمر، قال أحمد (٢/ ١٠٨): ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن وهب بن كيسان - وكان وهب أدرك ابن عمر - أن ابن عمر رأى ...
وأخرج ابن حبان في "صحيحه" (٦٧٨٠) من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن ابن عمر.
١١ - حديث آخر: حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ قال في الذهب والحرير: هذان حرامان على ذكور أمتي، حل لإناثها.
المقدمة / 16
رواه عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي موسى به.
ورواه نافع، واختلف عليه، قال الدارقطني في "العلل" (٧/ ٢٤١): يرويه عبد الله بن سعيد بن أبي هند، واختلف عن نافع فرواه أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى.
ورواه سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي موسى، ووهم فيه في موضعين في قوله: سعيد المقبري، وإنما هو سعيد بن أبي هند، وفي تركه نافعًا في الإسناد.
ورواه عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى، وهو أشبه بالصواب، لأن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى شيئًا، وقال أسامة بن زيد عن سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل عن أبي موسى في حديث النهي عن اللعب بالنرد، وهو الصحيح.
وهذا يقوي قول العمري عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل، والله أعلم. ا. هـ.
قلت: سعيد لم يسمع من أبي موسى، كما قال الدارقطني، وقال أبو حاتم: لم يلقه.
فلا شك أن بينهما شخص أو أكثر، ولكن سعيد بن أبي هند لم يذكر واسطة في حديثه هذا كما في رواية ابنه عبد الله بن سعيد، ونافع من رواية أيوب وعبيد الله بن عمر، وهما من كبار الحفاظ، وخالفهم عبد الله العمري فقال: عن نافع عن سعيد عن رجل عن أبي موسى، ولا شك أن روايتهم أصح، والله تعالى أعلم.
المقدمة / 17
١٢ - حديث آخر: قال ابن ماجه (٢٠١٥): ثنا يحيى بن معلى بن منصور ثنا إسحاق بن محمد الفروي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: " لا يحرّم الحرام الحلال ".
وأخرجه الدارقطني (٣/ ٢٦٨) من طريق جعفر بن أحمد بن سام وعلي ابن أحمد الجواربي كلاهما عن إسحاق به.
وأخرجه البيهقي (٧/ ١٦٨) من طريق جعفر بن أحمد به.
قال البوصيري في " الزوائد " (٢/ ١٢٤): (هذا إسناد ضعيف، لضعف العمري) ا. هـ.
قلت: إن كان إسحاق - وهو الفروي - تفرد به، فقد تكلم فيه بعض الحفاظ، وخاصة بعد أن عمي، فصار يتلقن، وقال النسائي: متروك.
فيحتمل أن الخطأ من الفروي، والله أعلم.
١٣ - حديث آخر: قال أحمد (٢/ ١٣٨): ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله عن موسى عن سالم عن ابن عمر أن النبي ﷺ كان يوتر على راحلته.
وأخرجه أبو يعلى (٥٤٥٩): ثنا أبو خيثمة حدثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر عن موسى به.
قلت: هذا الحديث صحيح، ولكن الصحيح في رواية موسى بن عقبة عن سالم وقف هذا الخبر على عبد الله بن عمر بن الخطاب، وإنما رواه موسى بن عقبة مرفوعًا عن نافع وليس عن سالم:
قال أحمد (١/ ٢٥٢): ثنا عفان ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة ثني سالم أن عبد الله كان يصلي في الليل ويوتر راكبًا على بعيره، لا يبالي حيث وجهه، قال:
المقدمة / 18
وقد رأيت أنا سالمًا يصنع ذلك، وقد أخبرني نافع عن عبد الله أنه كان يأثر ذلك عن النبي ﷺ.
قلت: وهيب من كبار الحفاظ، وقد فصل في روايته بين رواية سالم - فرواها موقوفة - وبن رواية نافع - فرواها عنه بالرفع -.
وأما عبد الله العمري فلم يبين ذلك، فجعل الخبر كله مرفوعًا من رواية سالم، ولم يذكر رواية نافع.
وقد رواه ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر كان يوتر وهو راكب حيث كان وجهه.
أخرجه ابن جرير في " تهذيب الآثار " (١/ ٥٤٢ - رقم: ٨٥٥): ثنا سعيد بن يحيى الأموي ثني أبي ثنا ابن جريج به، فوافق ابن جريج وهيبًا.
والخبر لا شك في صحة رفعه من حديث سالم، وقد خرجه الشيخان من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعًا.
ولكن من رواية موسى الصواب وقفه كما تقدم، والله تعالى أعلم.
١٤ - حديث آخر: قال أبو يعلى الموصلي - كما في " مسند الفاروق " (١/ ٣٨٦) و"المقصد العلي" (٢/ ٣١٣ - رقم: ٧٠٩) -: ثنا زهير ثنا يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي ﷺ: " ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين سوداوين وعنده ما يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة ".
قال ابن كثير: (غريب من هذا الوجه، والعمري له أوهام، فإن هذا الحديث في " الصحيح " عن عبد الله بن عمر نفسه كما سيأتي في "مسنده") ا. هـ
من " مسند الفاروق ".
المقدمة / 19
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٤/ ٢٠٩): (رواه أبو يعلى في " الكبير " وفيه عبد الله العمري، وفيه ضعف، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح) ا. هـ
وقول الهيثمي: (رواه في الكبير) يعني مسند أبي يعلى الذي رواه عنه ابن المقرئ، فإنه أكبر من المسند المطبوع الذي رواه عنه أبو عمرو بن حمدان، ولذا لما ذكره في "المقصد العلي" (٢/ ٣١٣) رمز له بـ (ك).
والصحيح في هذا الحديث أنه من مسند ابن عمر كما تقدم في كلام ابن كثير فقد أخرجه الشيخان من طريق نافع عن ابن عمر، أخرجه البخاري من طريق مالك، ومسلم من طريق عبيد الله وأيوب وأسامة بن زيد وهشام بن سعد.
وأخرجه مسلم أيضًا من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر به.
فخالف عبد الله العمري - فيما يظهر - وجعله من مسند عمر.
ووقع في روايته لفظة غريبة لعله تفرد بها، وهي: (سوداوين) فلم أقف عليها في الروايات الصحيحة.
وزهير شيخ أبي يعلى: هو ابن حرب أبو خيثمة النسائي، من كبار الحفاظ.
ويونس بن محمد: هو ابن مسلم البغدادي، وهو ثقة جليل، قال الذهبي: من كبار الحفاظ ببغداد.
١٥ - حديث آخر: قال أبو عبيد في "الأموال" (٧٤٠): ثنا ابن أبي مريم عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: حمى رسول الله
المقدمة / 20
ﷺ النقيع - وهو موضع معروف بالمدينة - لخيل المسلمين.
وأخرجه حميد بن زنجويه في "الأموال" (١١٠٥) عن أبي عبيد.
وأخرجه أحمد (٥٦٥٥): ثنا قراد أخبرنا عبد الله به، ولفظه: حمى النقيع لخيله.
و(٦٤٣٨، ٦٤٦٤): ثنا حماد بن خالد ثنا عبد الله به.
والبيهقي في الكبرى (٦/ ١٤٦) من طريق القعنبي عن العمري به.
وخالفه عاصم بن عمر بن حفص، فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به.
ولكن عاصم ضعيف، وقد يكون أضعف من عبد الله العمري، وهو أخوه، والراوي عنه عبد الله بن نافع فيه بعض الضعف.
وأخرج حميد بن زنجويه (١١٠٤): أنا عبد الله بن صالح ثنا الليث ثني يونس عن ابن شهاب قال: بلغنا أن رسول الله ﷺ حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة.
ووصله عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب رفعه.
أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي (٦/ ١٤٦) وهو لا يصح، قال البخاري: هذا وهم. وقال البيهقي: لأن قوله (حمى النقيع) من قول الزهري، وكذلك قاله ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن. ا. هـ.
المقدمة / 21
قلت: ويؤيد ذلك أن البخاري أخرج في "صحيحه" من طريق يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله ﷺ قال: " لا حمى إلا لله ولرسوله ﷺ ". قال: وبلغنا أن رسول الله ﷺ حمى النقيع ...
قلت: وقوله: (وبلغنا) هو من قول الزهري.
١٦ - حديث آخر: قال الإمام أحمد (٥٩٤٦): ثنا سريج ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ حجاجًا فما أحللنا من شيء حتى أحللنا يوم النحر.
قال محقق "المسند": سيأتي في الرواية (٦٠٨٢) أن ليس كلهم بقي محرمًا إلى يوم النحر، وقد فصلت الروايات الصحيحة أن من ساق الهدي لم يحل، وأن من لم يسق الهدي حلّ، كما سيرد برقم (٦٠٦٨) وقد سلف برقم (٤٨٢٢). ا. هـ.
قلت: أنا أذهب إلى هذا، والأدلة كثيرة التي تدل على ذلك، وسأذكر ما ذكره محقق "المسند" مما جاء عن نافع فقط، ثم أذكر ما جاء عن ابن عمر من غير طريق نافع.
قال أحمد (٦٠٨٢): ثنا يونس وسريج بن النعمان قالا: ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر قال: لا أعلمه إلا خرجنا حجاجًا مهلين بالحج فلم يحل النبي ﷺ ولا عمر حتى طافوا بالبيت. قال: قال سريج: يوم النحر وبالصفا والمروة.
قال أحمد (٦٠٦٨): ثنا يونس ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ لبّد رأسه وأهدى، فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن، قلن: ما لك أنت لا تحل. قال: إني قلدت هديي، ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل
المقدمة / 22
من حجتي.
وقد خولف فليح في هذا الحديث، فقد أخرجه البخاري (١٥٦٦، ١٧٢٥، ٥٩١٦) من طريق مالك، و(١٦٩٧) من طريق عبيد الله بن عمر، و(٤٣٩٨) من طريق موسى بن عقبة، كلهم عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنحوه.
وأخرجه مسلم (١٢٢٩) من طريق مالك وعبيد الله وابن جريج عن نافع به.
وأخرج البخاري (١٦٩١) من طريق ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله ﷺ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي ... وساق الحديث إلى أن ذكر قول الرسول ﷺ للناس: من لم يكن منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهل بالحج ...
فطاف حين قدم مكة ... ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض، فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله ﷺ من أهدى وساق الهدي من الناس.
وأخرجه مسلم (١٢٢٧) وأخرج أحمد (٤٨٢٢) من حديث بكر بن عبد الله عن ابن عمر بنحوه.
قلت: هذا التفصيل الذي جاء في هذه الروايات وخاصة الأخيرة تخالف ما جاء في رواية عبد الله العمري من كونهم لم يحلوا من شيء حتى يوم النحر، والله تعالى أعلم.
١٧ - حديث آخر: قال أبو بكر البزار (١٥٨): ثنا يوسف بن موسى نا الفضل بن دكين نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أن رسول الله
المقدمة / 23