وهذا كلام صحيح، ثم قال: وقال بعض أهل العلم اللِّينة عند أهل المدينة ألوان الدَّقَل. والدليل على أن اللِّينة جماعة نخل قوله ﷿ (ما قَطَعْتُم مِن لِينةٍ أو تَرَكْتُموها قائِمةً على أُصولها) والأصول جمع.
وهذا الذي قاله فاسد، والشاهد على فساده قوله أولًا: ويقال للنخلة اللِّينة، وما أوردناه من بيت ذي الرمة ولا شاهد له في قول الله ﷿ لأن النخلة الواحدة لها أصول، ولا يجوز في قول ذي الرمة إلاّ التوحيد لأنه قال: على لينة سوقاء تهفو جنوبها، وقال آخر في جمع لينة على لين:
والطين لا يصلح إلاّ في اللِّينْ ... واللِّين لا يصلح إلاّ في الطينْ
٥٩ - وقال أبو حنيفة: وأنشد الأصمعي في وصف امرأة حدلاء:
حدلاء كالوطب نحاه الماخِضُ
وهذا غلط، إنما هذا صفة شِقشِقة فحل من الإبل، وصاحبه أبو محمد الفقعسي فيما روى أبو عمرو وغيره، وقبل هذا البيت:
له زِجاج ولهاةٌ فارضُ
٦٠ - وقال أبو حنيفة: إذا لم يشّ توتير القوس قيل: رَتاها يرتوها رتوًا، وكل تقصيرمن شيء رَتْو، ويقال: ارتَ من قوسك أي: أرخ من حزقها.
وهذا - وإن كان صحيحًا - فإن الرّتو من الأضداد، ولم يصب في أن قال: وكل تقصير من شيء رتوٌ مرسلًا، والرَّتو أيضًا: الشدّ، ومنه قول لبيد:
فخمةً ذفراء تُرتى بالعُرى ... قرْدُمانيًا وتركًا كالبصل
ومن ذلك قولهم: " إن الحريرة لترتو فؤاد المريض " أي تشدّه.
٦١ - وقال أبو حنيفة - في ذكر الأراكة - قال أبو زياد: منه تُتّخذ هذه المساويك من الفروع والعروق، وأجوده عند الناس العروق.
وقد أتى من ذلك الفرزدق حيث يقول:
إذا استيقظت حدراء من نومةٍ ضحى ... دعت وهي في بُرد رقيق ومُطرفِ
بأخضرَ في نعمانَ ثم جلت به ... عذابَ الثنايا طيّبَ المُترشفِ
وهذان البيتان من:
عزفت بأعشاشٍ وما كدتَ تعزفُ
وهما أشهر من أن لا تعرف، والرواية:
..................... ... دعتْ وعليها درع خزّ ومِطرفُ
..................... ... عذاب الثنايا طيّبًا حين ترشفُ
وهكذا رواهما أبو زياد، وإنما التغيير من قبل أبي حنيفة.
٦٢ - وقال أبو حنيفة: أخبرني بعض بني أسد قال: الثَّغام أرقُّ من الحَليّ، وأدقُّ، وأضعف، وهو يشبهه.
وقال غيره: الثغام حلي الجبل، قال الراجز:
لما رأت صاحبتي عَيْنيّهْ ... ولِمّتي كأنّها حَلِيّهْ
وكلا القولين غلط، لأن الثغام غير الحليّ ومع هذا فهو أغلظ من الحليّ وأجل عودًا، قال أبو يوسف: يقول الرجل للرجل - وهو يرعى غنمه في الجبل الثغام - والله ما بقيت في هذا الجبل إلاّ بقايا من أثغِماء في شعابه، كأنها آذان الذئاب، قال: ورأيت بقايا من ثغائم كأنها تقواتٌ وُقوع، ولا ينبت الثَّغام إلاّ في قُنّةٍ سوداء ونبتته على نبتة الحليّ وهو أغلظ منه، وأجلّ عودًا وهو ينبت أخضر، ثم يبيضُّ إذا يبس يُشَبّه به الشَّيبُ.
وهذا وصف الثغام لا ما قال أبو حنيفة! ٦٣ - وقال أبو حنيفة: وعن الأعراب القدم: الحُلّب يَسْلَنْطح على الأرض له ورق صغار مرّ. ثم وصفه.
وقد غلط في هذا القول، لأن أبا يوسف قال - وقد وصف الحُلّبة -: ولها ورق صغار كأنّه ورق الحندقوق إلاّ أنه أكثف، وهي حامضة وليست بعشبة ولا بقلة.
والقول قول أبي يوسف هكذا: الحُلَّبة حامضة.
٦٤ - وقال أبو حنيفة: زعم بعض الرواة أن الخِضلاف: شجر المُقل وهو الدّوم.
وقوله: زعم تضعيف لحقيقته وشكٌ فيه، وتشكيك لمن سمعه والخضلاف أشهر من ذلك.
قال أبو عمرو: الخِضلاف شجر المُقل، وكذلك قال الأصمعي وغيره، وقال ثعلب في تفسير قول أسامة بن الحارث الهذلي:
تُتِرُّ برجليها المُدرُّ كأنّ ... بمشرفةِ الخضلافِ بادٍ وقولها
الخضلاف: شجر المقل، والوقول: نوى المقل الواحدة وَقْلة. قال: والمقل أيضا يقال له: الأوقال.
وحكى أبو عمرو في نوادره: النخل المخَضْلف القليل الحمل، وأنشد لابن مقبل:
إذا زُجِرتْ ألوت بضافٍ سبيبه ... أثيثٍ كقنوان النخيل المُخَضْلفِ
وقال أبو عبيدة في تفسير هذا البيت، المُخضلف: المشبّه بالخِضلاف، وهو شجر المُقل.
1 / 34