من سكره فأعلمه بما كان منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به، فلما أفاق وذكر له ما جرى / استحي منه، وبكى وهمَّ بالانصراف، فقال الغلام: قد أمرنا أن تأتيه، فأدخله عليه فقال: أما استحييت لنفسك، أما استحييت لشرفك، أما ترى من ولدك؟ فاتق الله وانزع عما أنت فيه فبكى الغلام منكسًا رأسه، ثم رفع رأسه وقال: عاهدت الله تعالى عهدًا يسألني عنه يوم القيامة أنَّي لا أعود إلى شرب النبيذ، ولا لشيء كنت فيه، وأنا تائب. فقال: ادن مني فقبّل رأسه؛ وقال: أحسنت يا بني. وكان الغلام بعد ذلك يلزمه ويكتب الحديث ثم قال: الناس يأمرون بالمعروف فيكون معروفهم منكرًا، عليكم بالرفق في جميع أموركم تنالون به ما تطلبون.
٢ - فصل
فإذا كان الفاعل يقدم على الفعل مع علمه أنه منكر، أو بعد تعريفه أنه منكر كالذي يواظب على الغيبة، أو أكل المكس أو الربا أو الرشوة مع علمه أنه حرام، ولكن لا يعلم رتبة تحريمه ولا ما جاء فيه من المواعيد والتهديد، فهذا ينبغي أن يوعظ ويخوف بالأخبار الواردة في تلك المعصية، ويدرج الكلام معه تدريجيًا بشفقة ولطف من غير تعنيف ولا غضب ولا ازدراء، ولكن ينظر إليه بعين الرحمة، ويرى أن القضاء والقدر قد قهره على هذا، ويلاحظ هو بباطنه لطف الله تعالى به إذ حفظه من مثل هذه المعصية، ولو شاء لكان الأمر بالعكس، وأنه لا يدري إلى ماذا يصير حاله إذ القلوب بيد الله تعالى والنفوس لها إقبال وإدبار، وما يدري هل يدوم له هذا الحفظ أو الفتن والعياذ بالله تعالى.
فكم من تائب عابد رجع إلى المعاصي فقبض عليها، وكم من عاص مسرف تاب الله عليه فجبت توبته ما سلف قبلها، وقبض طاهرًا من لوث معاصيه مغفورًا له ما سلف قبلها من إسرافه.
1 / 50