Французское владычество над Египетскими и Сирийскими землями
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Жанры
وقد بلغنا أن الألفي توجه إلى الشرقية مع بعض المجرمين من العربان والقبايل الفجرة المفسدين يسعون في الأرض بالفساد، وينهبون أموال المسلمين، إن ربك بالمرصاد، ويزورون على الفلاحين مكاتيب كاذبة، ويدعون أن عساكر السلطان حاضرة، والحال ليس لها تحضير، فلا أصل لهذا الخبر ولا صحة له ولا أثر، وإنما مرادهم وقوع الناس في الهلاك والضرر، مثلما كان يفعل إبراهيم بيك في غزة حين كان يرسل فرمانات بالكذب والبهتان ويدعي أنها من طرف السلطان، ويصدقوه أهل الأرياف خسفاء العقول، ولا يعتبرون بالعواقب فيقعون في المصايب، وأهل الصعيد طردوا الغز من بلادهم خوفا على أنفسهم وهلاك أعيالهم وأولادهم فإن المجرم يؤخذ من الجيران، وقد غضب الله على الظلمة، ونعوذ بالله من غضب الديان، فكانوا أهل الصعيد أحسن عقولا من أهل البحري بسبب هذا الرأي السديد.
ونخبركم أن أحمد باشا الجزار سموه بهذا الاسم لكثرة قتله الأنفس، ولا يفرق بين الأخيار والأشرار، وقد جمع طموش كثيرة من عساكر العثمانية ومن الغز والعرب وأسافل العريش، وكان مراده الاستيلاء على مصر وإقليمها، وأحبوا اجتماعهم عليه لأخذ أموالها وهتك حريمها، ولكن لم تساعده الأقدار، والله يفعل ما يشاء ويختار، والطاقة خفية والكلام على صفو النية، وقد كان أرسل بعض هذه العساكر إلى قلعة العريش، ومراده يصل إلى قطية فتوجه ساري عسكر أمير الجيوش الفرنساوية بونابرته وكسر عساكر الجزار الذين كانوا في العريش ونادوا الفرار الفرار بعد ما حل بأكثرهم القتل والدمار، وكانوا نحو ثلاثين ألف وملك قلعة العريش، وأخذوا ما فيها من ذخاير الجزار بلا خلاف، ثم توجه السرعسكر إلى غزة فهرب من كان فيها من عسكر الجزار وفروا منه كما يفر من الهرة العصفور، ولما دخل قلعة غزة نادى في رعيتها بالأمان وأمر بإقامة الشعاير الإسلامية وإكرام العلماء والتجار والأعيان، ثم انتقل إلى الرملة وأخذ ما فيها من ذخاير الجزار من بقسماط ورز وشعير، وقرب أكثر من ألفين قربة عظام كبار كان جهزها الجزار لذهابه إلى مصر، ولكن لم تساعده الأقدار.
ثم توجه إلى يافا وحاصرها ثلاثة أيام، ثم أخذها وأخذ ما فيها من ذخاير الجزار بالتمام، ولنحوسة أهلها أنهم لم يرضوا بأمانه ولم يدخلوا تحت طاعته وسلطانه وشمول إحسانه، فدور فيهم ضرب السيف من شدة غيظه وقوة سلطانه، وقتل منهم نحو أربعة آلاف ويزيد، بعدما هدم سورها بفعل الله الذي يقول للشيء كن فيكون، وأكرم من كان فيها من أهالي مصر وأطعمهم وكساهم وأنزلهم في المراكب، وغفرهم بعساكر خوفا من العربان وأجزل عطاياه، وكان في يافا نحو خمسة آلاف من عسكر الجزار فهلكوا جميعا وبعضهم ما غاطاهم إلا الفرار.
ثم توجه من يافا إلى جبل نابلوس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان يقال له قاقون، وحرق خمس قرايا من بلادها وما قدره سبحانه فيكون، ثم أخرب سور عكا وهدم قلعة الجزار التي كانت حصينة، ولم يبق فيها حجر على حجر حتى إنه كان قد بنى حصاراتها وشيد أسوارها في نحو عشرين سنة، وظلم في بنايها عباد الله، وكذا عاقبة الظالمين، ولما توجهت إليه أهل بلاد الجزار من كل ناحية كسرهم كسرة شنيعة، فهل ترى لهم من باقية، ونزل عليهم صاعقة من السماء، فإن قال أهل الشام كما قلنا.
ثم توجه راجعا إلى مصر المحروسة لأجل سببين؛ الأول: أنه أوعدنا برجوعه إلينا بأربعة أشهر، والوعد عند الحر دين. والسبب الثاني: أنه بلغه أن بعض المفسدين من الغز والعربان يحركون في غيابه الفتن والشرور في بعض الأقاليم والبلدان، فلما حضر سكنت الفتنة وزالت الشرور مثل زوال الغيم عند شروق الشمس وسط النهار، فإن همته العلية وأخلاقه المرضية متوجه في البكرة والعشية لإزالة الفجور والشرور من الرعية، وجد لمصر وإقليمها شيء عجيب ورغبته في الخير لأهلها ونيلها وزرعها بفكره وتدبيره العجيب، يحب الخير لأهل الخير والطاعة ويرغب أن يجعل فيها أحسن التحف والصناعة، ولما حضر من الشام أحضر معه جملة أسارى من خاص وعام، وجملة مدافع وبيارق اغتنمها في الحروب من الأعداء الأخصام.
فالويل ثم الويل لمن عاداه، والخير ثم الخير لمن والاه، فسلموا يا عباد الله لقضاء الله، وارضوا بتقدير الله؛ فإن الأرض لله، واقتبلوا أحكام الله؛ فإن الملك لله يؤتيه لمن يشاء من عباده، هذا هو الإيمان بالله، ولا تسعوا في سفك دماكم وهتك أعيالكم، ولا تسببوا في قتل أولادكم ونهب أموالكم، ولا تقولوا إن في الفتنة إعلا كلمة، حاشا لله! لم يكن فيها إلا الخذلان وقتل الأنفس وذل أمة النبي - عليه السلام، والغز والعربان يطغوكم ويغروكم؛ لأجل أن ينهبوكم، إذا كانوا في بلد وقدمت عليها الفرنساوية ففروا هاربين منهم كأنهم جنود إبليس.
ولما حضر الساري عسكر إلى مصر أخبر أهل الديوان من خاص وعام أنه يحب دين الإسلام ويعظم النبي - عليه السلام - ويحترم القرآن، ويقرأ به كل يوم بإتقان، وأمر بإقامة شعاير المساجد الإسلامية وإجراء خيرات الأوقاف السلطانية، وسلم عوايد الأوجاقية وسعى في حصول أقوات الرعية، فانظروا هذه الألطاف والمزية ببركة نبينا أشرف البرية، وأوعدنا بأمرين عظيمين في الإسلام أنه يبني لنا مسجدا عظيما بمصر لا نظير له في الأقطار، وأنه يدخل في دين النبي المختار - عليه أفضل الصلاة والسلام. ختام.
ثم وضعوا إمضاهم كما مذكور قبل وهم العلماء المصرية والأغاوات والأعيان الأوجاقية.
وقد طبع هذا الفرمان ووزعه على الأقاليم المصرية، وكان ما ذكر في هذا الفرمان عنه قصده لتهذيب أخلاقهم وتليين أعناقهم وترقيد الفتن والمشاجرات، وعدم المناكرات إذ كان عارفا ما يورد عليهم من الحادثات، وأنه مضطر إلى الرحيل لما قد بلغه عن قيام الممالك، وأنه سيترك الفرنساوية بمصر بكل ضيق وحصر؛ فلذلك كان يود المسلمين ويظهر لهم الحب اليقين، ويشهد لهم بحسن الدين وأنه وإياهم على الحق المبين، وهم كانوا لهذا الكلام غير محققين، وأن كل ذلك خداع ونفاق وابتداع فكانوا غير مطمئنين.
هذه وهو غير فاتر عن مسألتهم وجدب قلوبهم ومؤانستهم، وكان يباحثهم بأمور الدين ويريهم أنهم على الحق اليقين، وكان مملوءا من الحكمة والعلوم، وقيل إنه كان يعلم بأمور القلم الفلكي ؛ إذ إنه كان يتفوه بأمور تحدث في ميقاتها قبل أوقاتها، ويقول: هو المنصوص على ظهوره فلا ينتظروا أحدا بعده، وهو الذي يملأ الأرض عدلا، وقد صدق كثيرون منهم أنه هو المهدي، ولم تتغير عليهم سوى الملابيس الإفرنجية، فلو جاء بالفرجية لآمنت به الرعية.
Неизвестная страница