Французское владычество над Египетскими и Сирийскими землями
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Жанры
ثم إننا قد ذكرنا عن الجنرال المهندس لأجل بناية القلع، وبعدما سكنت تلك المفاسد من أهل مصر أمر أمير الجيوش في بناية أربع قلعات بالقاهرة على أربع جهات، فالواحدة في كوم العقارب فوق الناصرية، وواحدة في كوم الليمون فوق اليزبكية، وواحدة في كوم الغريب فوق خط الأزهر، وواحدة فوق جامع أبي برص خارجا من باب النصر، وفي أيام قليلة تمت الأربع قلع، ونقل إليها جبخانة والمدافع والقنابر، وحصنها بالعساكر، وبنى في القلعة الكبيرة أبراجا، ونقل إليها مدافع كثيرة، وأرسل إليها الزيت والمشاقة ليرى أهالي مصر أن إذا نهضوا مرة ثانية يتلف المدينة بالحراقة، وهكذا خبر علماءهم أن يخبروا الرعية، ثم عين في بلد الجيزة من الفرنساوية أصحاب الحرف والذين يسكبون المدافع والكلل، وأبنى في إمبابة أفرانا لأجل البقسماط، وعمر طواحين في الهوافي الجيزة وفوق كوم الليمون، وكانوا يطحنون ما يكفيهم كل يوم، وأمر بعمل البارود في مصر، مع أن قد كان معه الجبخانة تكفيهم عشر سنوات إذا كانوا يحاربون كل يوم.
ثم إن بعد نهاية تلك الحركات التي قد حدثت وقتل الجنرال دبوي شيخ البلد أحضر أمير الجيوش الجنرال دوسطين، وولاه شيخ البلد على مصر مكان الجنرال دبوي، وكان هذا عاقلا فاضلا، وفرحت أهل البلد بموت الجنرال دبوي؛ لأنه كان صعب الأخلاق وبطل لا يطاق.
وكان حينما قامت الإسلام على الفرنساوية فهرب محمد أغة الإنكشارية، وكان ذلك الرجل جبانا، وهذه الرتبة لا يوافقها ذلك؛ لأنه يلزم أن يكون أغة الإنكشارية بطلا شديدا في الحرب والقراع صاحب مكر وخداع لأن؛ عليه ضبط البلد الليل والنهار، ولا يسأل عما يفعل، وبعد هذه الفتنة أمر أمير الجيوش بعزله وأقام عوضه مصطفى أغا جربجي، وهو من مماليك عبد الرحمن أغا الذي كان قديما أغة الإنكشارية في زمان علي بيك، وحين دخل مصطفى أغا على أمير الجيوش لبسه فروا فاخرا وقلده سيفا، وولاه منصب الأغاوية على الإنكشارية وقال له: قد بلغني عن سيدك أنه كان رئيسا في الأحكام خبيرا بالأيام متدبرا بالنظام ومتقنا وظيفته على التمام، فأود أن تكون مثله وتقتفي أثره، فقبل يده وانصرف من قدامه مسرورا، وبالحقيقة أن هذا المذكور أخلف سيده في أحواله وأفعاله، وكان صادقا في خدمته شديدا في همته، وقيل إنه قتل مماليك كثيرة، كما كان يفعل سيده في حكمه، وكان ذلك الرجل يكره المماليك وزمرتهم؛ كونهم قتلوا سيده، وكان حينما وجد مملوكا مستخفيا في المدينة يقتله سرا؛ لأنه كثيرا كانت تدخل المماليك إلى مصر مستخفيين.
وبعد تلك الحوادث استكنت مصر، وكلت أهلها من الحروب مع الفرنساوية، وطاعتهم الطاعة الرغمية؛ لما كابدوا من شدة بأسهم وقوة مراسهم، وقد كان الفرنساويون قد جربوا أكثر الناس بحسن أحكامهم العادلة وعدم ميلهم للمشاكلة، وحسن سياستهم وعدم خيانتهم، وحبهم المفرط للمسلمين ورفع المظالم عن الفلاحين، وضبط عساكرهم وتواضع أكابرهم، وصدق كلامهم وحسن زمامهم، وانطلاق الحرية لساير الرعية، وإعطاء الأمان في كل مكان، والتفاتهم العجيب لنظم البلاد وودهم الغريب لراحة العباد، وقد قطعوا آثار اللصوص والنهابين والعربان الخطافين، وأتقنوا الأحكام بأحسن نظام، وتظاهروا بالكرم والسخا ورخص القوت والرخا.
وبدأ أمير الجيوش يجهز الركبة على الأقطار الشامية، وأرسل القومانية والمدافع والجبخانات إلى مدينة بلبيس والصالحية، ونبه على العساكر بتحضير ما يحتاجون من آلات الأسفار، وقد شاعت الأخبار بقدوم ذلك الجيش الجرار إلى أراضي عكا وتلك الديار، فأسرع أحمد باشا الجزار بتدبير ما يحتاج إليه في الحصار خشية من هجوم الكفار واستيلايهم على تلك الأقطار، وحصن مدينة عكا بالأبرجة والأسوار، ووضع عليها القنابر والمدافع الكبار، وحصن أيضا مدينة حيفا وأرسل إلى يافا العساكر وحصنها بالمدافع والقنابر، وامتد إلى مدينة غزة بعساكره وعشايره، ووصلت جيوشه إلى قلعة العريش وأقاموا بها، واتصل الإيراد إلى ساير البلاد، وتنبهت الغز للجهاد، وفي شهر شعبان سنة 1213 خرجت العساكر الفرنساوية إلى مدينة بلبيس والصالحية، وكتب إلى الجنرال كليبر أن يتوجه من دمياط في البر على طريق قطية ويكون قايد العساكر الفرنساوية.
ثم إن أمير الجيوش بونابارته من بعد ما سير العساكر أحضر علماء الديوان ومصطفى كتخدا الذي جعله أمير الحج والأغا والوالي والمحتسب وقال لهم: إن الغز المماليك الهاربين من سيفي في الأقطار قد التجوا إلى أحمد باشا الجزار المتولي بتلك الديار، فجمع لهم العساكر وحضروا إلى العريش وعازمين على الحضور إلى الديار المصرية لأجل خراب البلاد وقتل العباد وهلاك الرعية؛ فلذلك أخذتني الغيرة، واستخرت الله وهو نعم الخيرة، وعزمت أنني أسير إليهم بالعساكر، وأخرجهم من قلعة العريش بقوة سيفي الباتر، وأبذرهم بتلك البراري والقفار، وأجعلهم عبرة للناظر وأقطع آثارهم من تلك الديار بعون الواحد القهار، وأريح منهم مصر وتلك الديار، وها قد وليت نايبا عني وقايمقام في المدينة الجنرال دوكا، فكونوا له طايعين وإلى كلامه سامعين، وشيخ البلد عليكم الجنرال ضوصطين، فعليكم أيها العلماء والحكام والأعيان والتجار أن تنبهوا على أهل هذه الديار برفع الأذية والأضرار، وأن تكون الرعايا مطمئنين وفي منازلهم آمنين، وإن كان يبدأ في غيابنا أدنى حركة من الحركات ضد العساكر والصلدات فقد أمرت القايمقام وشيخ البلد وحاكم القلعة أن يهدموا البلد بالمدافع والقنابر، ويقتلوا أهلها بحد السيف الباتر، فكونوا على حذر من القضاء والقدر. فأجابوه: إننا ضامنين وكافلين هدو الجمهور وعدم حدوث أمر من الأمور، ثم أمر إلى مصطفى كتخدا وعلماء الديوان أن يأخذوا الأهبة للمسير معه إلى العريش، فأجابوه بالسمع والطاعة.
وفي خامس يوم من شهر رمضان ركب أمير الجيوش بونابارته في العساكر، وصحبته مصطفى كتخدا والعلماء قاصدا مدينة بلبيس بالأبطال الجبابرة والعساكر الوافرة، وحين وصل إلى الصالحية هرب أمير الحاج محمد كتخدا الذي كان سابقا إلى مدينة غزة، ومن هناك سار إلى عكا، وحين دخل على الجزار قال له: أنت الذي كنت أغة الإنكشارية؟ قال: نعم، ولكنني هربت منهم وأتيت إليك، فقال له الجزار: ما أنت إلا جاسوس، ثم أمر بقتله.
وكان العلماء بعد وصولهم إلى الصالحية أعرضوا إلى أمير الجيوش أنهم لا يقدرون على الأسفار في البراري والقفار، فأذن لهم بالرجوع، وسار أمير الجيوش بتلك الجموع، وكان قد أمر أمير الجيوش إلى كبار الديوان؛ الشيخ عبد الله الشرقاوي، والشيخ محمد المهدي الباقيين في مدينة مصر أن يرسلوا مكاتيب لساير الأقاليم، ويعرفوهم عن مسيره إلى الديار الشامية، فكتبوا كما أمرهم، وطبعوها في المطبعة، ووزعوها على ساير الأقاليم، وهذه هي صورتها:
صورة الكتابة
في محفل ديوان مصر الخصوصي إلى جميع الأقاليم المصرية: نخبركم أن أمس تاريخه خامس شهر رمضان المعظم توجه حضرة الدستور المكرم سرعسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية مسافرا، يغيب مقدار ثلاثين يوما؛ لأجل محاربة إبراهيم بيك الكبير وبقية المماليك المصرية حتى يحصل الراحة الكلية للأقاليم المصرية من هؤلاء الأعداء الظالمين، الذين لا راحة فيهم ولا رحمة في دولتهم على أحد من رعيتهم.
Неизвестная страница