Французское владычество над Египетскими и Сирийскими землями
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Жанры
وقد كنا ذكرنا أن أمير الجيوش حينما تسلم مدينة الإسكندرية قلد السيد محمد كريم لتدبير أمور البلد، كعادة في أيام مراد بيك، ففي ذلك الزمان وقع منه مكاتبة إلى مراد بيك يحثه على الحضور إلى الإسكندرية؛ لكي يسلمه البلد، فلما وصلت تلك المكاتيب إلى أمير الجيوش ففسرهم وفهم ما فيهم، وفي الحال أرسل إلى الجنرال الحاكم في الإسكندرية بأن يقبض على السيد محمد كريم ويرسله له، وحين حضر السيد محمد كريم قدام أمير الجيوش سأله عن تلك الكتابات فأنكر ذلك، فأخرج له إياهم، وحين نظر كتاباته صار مذهولا ولم يعلم ماذا يقول، فأمر أمير الجيوش بإرساله إلى شيخ البلد، وقد أتت العلماء والأعيان يترجونه بإطلاقه، فأجابهم: أن قد عرض أمره على الشريعة وحكمت عليه بالموت، ودفعوا عنه خمسين كيس فلم يقبل ذلك، وقال لهم: إن شريعتنا لا تقبل الرشوة، ولا يقدر أحد أن ينقذه من الموت، حتى ولا أمير الجيوش؛ لأن الشريعة إذا حكمت على أحد بالموت فلا بد له من ذلك، ثم أعرض عليهم تلك الكتابات، وأحضر السيد محمد كريم وقال له: هذا خطك، قال: نعم، ثم رجعه إلى السجن إلى أن انصرفت العلماء، وأمر بأن يمضوا بالسيد محمد كريم إلى ساحة الرملة ويطلقوا عليه الرصاص، وكان وهو ساير ينادي: يا أمة محمد اليوم بي وغدا بكم، وحين قتل كان حزن عظيم عند المصريين، ومن ذلك الوقت تنافرت قلوبهم بالزيادة.
وقد كانت الإنكليز بعد تملكهم عمارة الفرنساوية، قد ربطت عليهم البواغيظ وحاصرتهم في الديار المصرية، فأرسل سرعسكرهم وأعلم ملكهم بذلك الاقتدار، فهاجت المملكة واستبشرت بالانتصار، وهيجوا معهم الدول الإفرنجية، واستنهضوا لمحاربة الفرنساوية، ومن حيث إن الجمهور الفرنساوي قد قهر ساير الممالك الإفرنجية وظفر بهم وسلب أموالهم وتملك منهم مدنا وقلعا حصنية، وذلك ببطش مقدمهم وناشر أعلامهم الفرد الظاهر والليث الظافر أمير جيوشهم بونابرته، وقد ترك في ساير الأقاليم الإفرنجية مخافة قلبية، سيما بعد اطلاعهم على التملك في الديار المصرية، ولكن حين بلغهم ما فعلت بهم الإنكليز، وأن قد ربطت عليهم البواغيظ، فقويت قلوبهم وأملوا بنيل مطلوبهم، فصمموا النية على طرد العساكر الفرنساوية التي قد كان تركها في الأقاليم الإفرنجية، وأشهر الحرب ملك النمسا، واستنهض معه ملك بروسا، ونهضت ممالك إيطاليا مع رومية الكبرى، هذا ما كان، وسيأتي الكلام عنه في غير مكان.
وقد ذكرنا أن الفرنساوية حين تملكوا مالطة أبقوا بها ستة آلاف من العسكر وأصحبوا عوضها، وفي هذه الأيام توجهت الإنكليز إلى تلك البواغيظ، وحاصرت مدينة مالطة أشد حصار إلى أن أضر بهم الجوع وأيقنوا بالفجوع، فتسلموا الإنكليز المدينة بالأمان، وقويت شوكة الإنكليز، فاشتد بأسهم في تملك مالطة؛ لأنها بالقرب من الإسكندرية.
ذكر ما تم في ممالك الدولة العثمانية
إنه عندما شاعت الأخبار بأن الفرنساوية تملك الديار المصرية، هاجت جميع ممالك الإسلام لمحاربة الفرنساوية اللئام، وصاحوا يا غيرة الدين وحماية المؤمنين، واستنهضت الدولة العلية والسدة الملوكية لاستخلاص الديار المصرية، وأبرزت الأوامر والأحكام وساير الباشاوات والحكام تستنهضهم للمغازاة عن دين الإسلام، وقد حضرت الأوامر الشريفة إلى أحمد باشا الجزار بالمغازاة على هؤلاء الكفار، ويكون سردار العسكر، وكان أمير الجيوش بونابرته حين بلغه استنهاض الإسلام إلى تلك الديار، فاستدرك الأمر بكتابات إلى الجزار، واستدعى بأحد الكوميسارية وأرسله إلى دمياط؛ لكي يسير في مركب إلى عكا، وكتب كتابا إلى الجزار على هذه الصورة بعد الترجمة:
إنه من المعلوم عندكم اتحاد الدولة الفرنساوية مع الدولة العثمانية بالحب والصدوقية منذ أعوام عديدة، ثم لا خفاكم عداوتنا مع دولة الإنكليز، وسطاها على بلداننا التي في أراضي الهند، فاضطرنا إلى الحضور إلى هذه الأقطار المصرية، وذلك بإذن الدولة العثمانية وبإرادتها الكلية؛ أولا: لقطع شجرة المماليك العصاة على الدولة العلية، ثانيا: لكي بعد قطع هؤلاء الظالمين وتمهيد المملكة وخلاصها من يد القوم الفاجرين، فنسير إلى الأقطار الهندية؛ لتخليص بلادنا وأرضنا من الدولة الإنكليزية، وها نحن مباشرين في قرض المماليك العصاة على السلطان، وما أتينا إلا أننا نحامي عن المسلمين، ونرفع شرايع الدين، ونسير محمل الحج الشريف إلى المقام المنيف، ونبقي السكة والخطبة باسم حضرة محبنا السلطان سليم دام بالعز والتنعيم؛ فبنا على ذلك أصدرنا لكم هذا الكتاب؛ لتعلموا منا حقيقة السبب الداعي لهذا الإياب، وتكونوا من قبلنا في حيز الأمان وغاية الاطمئنان، وتفتحوا البنادر، وتسيروا المتاجر لعمار البلاد وراحة العباد والسلام.
ثم توجه ذلك الكوميسارية المدعو باظان من مصر إلى دمياط، ومن هناك توجه في مركب أحمد باشا الجزار، الذي كان رابطا في الميناء، وأصحب معه ترجمانا واثنين من التجار، ولما وصل إلى أسكلة عكا، فكتب الكوميسارية باظان إلى الجزار يعلمه عن قدومه من طرف أمير الجيوش بونابرته، ونزل القبطان إلى عكا، وحينما دخل أمام الجزار فسأله عن مصر وعن أحوالها وعن سبب خلاصه من مدينة دمياط، فأجابه القبطان: إن الفرنساوية أطلقوا سبيلي وحضر معي كوميسارية من طرف سرعسكرهم بكتابة، وهو الآن معي في المركب، ثم أعطاه كتاب الكوميسارية باظان، فلما فهم الجزار ذلك الخطاب اشتد به الغيظ والغضب، وقال للقبطان: وجه هذا الكافر ودعه يسافر، وإن لم يرجع في الحال من هذه الديار أحرقته بالنار، ثم سأله من الذي أتى معه؟ فقال له القبطان: ليس معه سوى ترجمانه واثنين من التجار، وهم نصارى من أبناء العرب، فقال الجزار: أخرج التجار بأرزاقهم إلى البلد، ودع الكافر حالا يسافر، ورجع القبطان إلى المركب وأعلم الكوميسارية بما سمع من الجزار، وفي الحال أحضر له مركبا صغيرا، ورجع إلى دمياط من غير تأخير، وقبض الجزار على تلك التجار، وكان بين الجزار وبين الفرنساوية عداوة قديمة وبغضة جسيمة من طرد قناصلهم من بلاده؛ فلهذا السبب ما كان يود منهم أمانا.
ثم إن الجزار ابتدأ يحرر إلى ساير الأقاليم المصرية، ويستنهضهم على القيام على الفرنساوية، وكانوا الغز الذين حضروا إلى بر الشام تهيج الفلاحين والعربان لذلك المرام، ويكتبوا لهم على النهوض والقيام، وقد تظاهرت المصريون في العصاوة والأسية على الطايفة الفرنساوية، وقامت الأربع أقاليم المصرية؛ القبلية والبحرية والغربية والشرقية، وكان في كل وقت يقع الخصام بينهم وبين الجنرالية من الأربع الجهات المصرية، وتحرق البلاد وتهلك العباد، إلى أن هلك عربان كثيرة العدد ومن فلاحين البلد.
وأما ذلك الكوميسارية الذي رجع من عند الجزار فإنه وصل إلى دمياط، وفي الغد سار إلى مصر، وأخبر أمير الجيوش بما تم له من الجزار، فاشتد بالغضب من ذلك السبب، وبدأ من ذلك الحين يباشر بتجهيز السفر وما يحتاج إليه من الاستحضار.
وقد كنا ذكرنا أن في المنصورة أقام من الفرنساوية ما ينيف عن ماية وثلاثين صلدات، وفي ذلك الوقت بدت أهالي البلد يتشاورون على قتلهم، وإذ كانت هذه البلدة بعيدة عن مدينة مصر، وبرها متسع وعربانها كثيرة، وقد كان في كل جمعة نهار الخميس يصير السوق، ويجتمع فيه كثير من الناس لأجل البيع والشرا، ففي أحد الأيام قامت أهالي المدينة، وكبسوا أوليك الصلدات الفرنساوية، وانتشب الحرب بينهم، وإذ تضايقت الفرنساوية، وكاد يخلص ما عندهم من البارود، فخرجوا إلى البر ونزلوا في إحدى المراكب، فتكاثرت عليهم أوليك العوالم المجتمعة في يوم الخميس، وقد كان ذلك الوقت أيام جبر النيل، فلم تسير معهم المراكب، والتزموا بالرجوع إلى البر، وقصدوا يسيروا برا إلى مصر، فلم تمكنهم أوليك الأمم، وأورثوهم مواريث العدم، ولم يزالوا يكافحون وعن أرواحهم يدافعون، إلى أن قتلوا عن آخرهم، ولم يبق بقية من أوليك الصلدات الفرنساوية، وحين وصلت الأخبار فاشتد بأمير الجيوش الغيظ والغضب، وأمر الجنرال دوكا بأن يتوجه إلى المنصورة ويحرقها، ويقتل كل من بها، فسار الجنرال بثلاثة آلاف صلدات، وحينما بلغ أهالي المنصورة قدومه، فهربوا منه ولم يبق إلا القليل، وحين وصوله رأى البلد خرابا، وتقدم إليه أوليك الباقون، وابتدوا يعتذرون له بقولهم: إن أهالي المدينة ليس لهم ذنب بذلك الصنيع، وإنما صدر ذلك من الفلاحين والعربان لكثرتهم في ذلك الميعاد من كل البلاد، وإن أهل المدينة حيث تحققوا أن ليس لهم اقتدار عن منع أوليك الأقذار فروا هاربين خوفا من الفرنساويين، فلما سمع الجنرال ذلك الكلام قبل اعتذارهم وعفا عن خراب ديارهم، وأمرهم في الرجوع والطاعة والخضوع.
Неизвестная страница