قال: ونقول (انه لا يمكن أن تكون الأجسام) الطبيعية مركبة من السطوح على ما قيل في طيماوش. برهان ذلك: انه إن كانت مركبة من السطوح، وكان لا يمكن أن يكون شيئان ليس لواحد منهما ثقل أو خفة يكون لهما إذا اجتمعا ثقل أو خفة، وكانت النقطة ليس يمكن فيها أن تكون ثقيلة ولا خفيفة، فإنه لا يمكن أن يكون لشيء من الاجرام الطبيعية ثقل أو خفة، ولكن لها ثقل أو خفة، فليس يمكن أن يكون شيء من الاجرام مركبا من السطوح. فاما المستثنى في هذا القياس الشرطي، وهو مقابل التالي، فهو أمر بين بنفسه، والقدماء يسلمونه، وسيتكلف هو بيانه على جهة الاستظهار فيما يستقبل. واما جهة لزوم التالي للمقدم في هذا القياس فإن ذلك يظهر بما أقوله: وذلك لأنه إذا وضع أن الاجسام مركبة من السطوح، وكانت نسبة السطوح إلى الاجسام نسبة الخطوط إلى السطوح والنقط إلى الخطوط، لزم أن تكون السطوح مركبة من الخطوط والخطوط من النقط، فتكون الأجسام على هذا مركبة من النقط. وإذا وضع أن النقط ليس لها ثقل إذا أخذت مفردة أو مركبة فبين أنه ليس يمكن أن يكون للخطوط المركبة منها ثقل أو خفة. وإذا لم يكن للخطوط ثقل أو خفة لا مفردة ولا مركبة، وكانت السطوح مركبة منها ( فبين أنه ليس لها ثقل ولا خفة وإلا كان شيئان ليس لكل واحد منهما ثقل ولا خفة إذا ركبا [ 33 و: ع] حدث لكل واحد منهما ثقل). وإذا كانت الأجسام مركبة من السطوح، وكانت السطوح ليس لها ثقل ولا خفة، (لا في جنس الأفراد ولا جنس التركيب) فبين أن الأجسام ليس يكون لها لا ثقل ولا خفة. فعلى هذه الجهة يظهر اللزوم الذي بين المقدم والتالي في هذا القياس الشرطي. واما تصحيح ما وضع في المقدم من أن النقطة ليست بثقيلة ولا خفيفة فهو يأتي في ذلك ببراهين ثلاثة: اثنان منها يستعمل فيهما مقدمات واجب قبولها والثالث يستعمل فيه مقدمات يسلمها القدماء على جهة ما يستعمل (31 ظ) [ 14 ظ] في المعاندات التي تكون بحسب قول القائل لا بحسب الأمر نفسه. فأما البرهان الأول فهو هكذا: ان كان كل ثقيل يمكن أن يكون أثقل من شيء وأخف من شيء آخر، فكل ثقيل أو خفيف يقبل التجزئة بالفعل. واما ان كل ثقيل وخفيف يقبل التجزئة، وكانت النقطة ليست تقبل التجزئة فاللازم عن ذلك، في الشكل الثاني أن النقطة لا ثقيلة ولا خفيفة. وهذا البرهان ائتلف من قياسين: احدهما شرطي، والآخر حملي في الشكل الثاني. اما الحملي فلا كلام فيه، لأنه من مقدمتين احداهما بينة بنفسها وهي ان النقطة لا تقبل التجزئة، والثانية مبينة بالقياس الشرطي وهي ان كل ثقيل أو خفيف يقبل التجزئة. واما الشرطي الذي صحح به هذه المقدمة فالنظر فيه في موضعين: احدهما تصحيح استثناء المقدم بعينه. والموضع الثاني تصحيح اللزوم الذي بين المقدم والتالي. واما تصحيح اللزوم بينهما فهو أمر بين بنفسه، وذلك أنه إذا فرضنا أن كل ثقيل يمكن أن يكون أثقل من شيء آخر فذلك الشيء الآخر يكون جزءا منه ضرورة. وإذا كان ذلك كذلك، فكل ثقيل منقسم. ومثل هذا بعينه يعرض في الخفيف. وانما الكلام في تصحيح استثناء المقدم نفسه في هذا القياس الشرطي، وهو: أن كل ثقيل فإنه يمكن أن يكون أثقل من شيء آخر وأخف من شيء آخر، وكل خفيف فيمكن أن يكون أخف من شيء آخر وأثقل من شيء آخر. وأرسطو يضع هذه القضية على أنها بينة بنفسها، ويقول انها غير منعكسة، وذلك أنه يقول: إن كان كل ثقيل يلزم أن يكون أثقل من شيء آخر وأخف من شيء آخر، وان هذا غير منعكس، أعني أنه ليس كل ما هو أثقل أو أخف من شيء آخر فواجب أن يكون ثقيلا أو خفيفا، فإن الهواء أثقل من النار وليس بثقيل، والماء أخف من الأرض وليس بخفيف. وانما تنعكس هذه القضية إذا أخذت المقايسة في نوع واحد بعينه من جهة ما يختلفان بالأقل والأكثر في ذلك النوع بعينه. مثال ذلك أن الأرض أثقل من الماء وهي مع هذا ثقيلة، وذلك أن كليهما ثقيل. وكذلك النار أخف من الهواء وهي مع ذلك خفيفة إذ كانا كلاهما خفيف. واما إذا أخذت المقايسة في النوع الواحد بعينه لا من جهة ما يختلفان بالأقل والأكثر في ذلك النوع بعينه، بل من جهة تمازج ذلك النوع من الضدية الموجودة في النوع المضاد له، فإنه لا يصدق ذلك، مثال ذلك أن الماء أخف من الأرض وليس بخفيف، وإنما كان ذلك (كذلك) لأن الماء وإن مازجته الخفة بما نقصه من ثقل الأرض فلم يخرج بذلك من أن ينتقل من نوع ثقيل إلى نوع خفيف. وكذلك يعرض في جميع الأشياء التي تقال بالمقايسة، وذلك ان كل مؤثر باطلاق فهو أثر من شيء آخر، وليس كل ما هو أثر من شيء آ خر فهو مؤثر باطلاق، مثل (ذلك أن) الزمانة أثر من الموت وليست الزمانة مؤثرة باطلاق. وليس لقائل أن يقول انما كان يكون صادقا قول القائل كل ثقيل فيمكن أن يوجد أثقل من شيء آخر لو كان أيما جزء فرضناه من الأرض والماء يمكن أن تأخذ جزءا (آخر) من الأرض بالفعل أصغر منه وكذلك من الماء، وليس الأمر كذلك فإن أصغر أجزاء الأرض والماء والهواء والنار محدودة، أعني أن أصغر أعظامها محدودة. وإذا كان ذلك كذلك، فليس يمكن أن يكون كل ثقيل أثقل من شيء آخر ولا كل خفيف أخف من شيء آخر [ 33 ظ: ع]، فإن هذا انما لحق الثقيل والخفيف بالعرض، أعني عدم الانقسام، وذلك من جهة ما الثقيل ماء أو أرض والخفيف نار أو هواء، لا من جهة ما هذا ثقيل وهذا خفيف. وهذا أمر بين بنفسه، أعني أن الثقيل والخفيف تلحقهما (المقايسة) والانقسام بما هما ثقيل وخفيف، ويلحقهما عدم الانقسام بما أحدهما جسم مشار إليه كأنك قلت أرض أو هواء، وهذا بعينه عرض للجسم ولسائر الأعظام، أعني أنه ينقسم إلى غير نهاية من جهة ما هو جسم وعظم، ويتناهى في الانقسام من جهة ما هو مشار إليه محسوس. وإذا كان ذلك كذلك، فالممكن في هذا القياس انما وضع من جهة ما هو ممكن لا من جهة ما (32 و) [ 15و] هو ممتنع، أعني أن الثقيل انما وضع هاهنا أنه ممكن أن يقبل الانقسام من جهة ما هو ثقيل لا من جهة ما هو نار أو أرض. لكن الممكن إذا انزل من جهة ما هو ممكن لم يعرض عن انزاله محال. فلما انزل في هذا القياس المتقدم مقدمة ممكنة من جهة ما هي ممكنة، وهو: أن الثقيل يقبل الانقسام بما هو ثقيل، وأضاف إليها مقدمة مشكوكا فيها، وهو: أن النقطة ثقيلة أو خفيفة، لزم عن ذلك محال وهو: أن تكون النقطة تقبل الانقسام، والمحال ليس يعرض عن وضع الممكن بما هو ممكن. فقد بقي أن يكون انما عرض في هذا القول عن وضعه أن النقطة ثقيلة أو خفيفة. وأمثال هذه البراهين كثيرا ما يستعملها أرسطو في هذا العلم. ومن هنا يظهر أيضا غلط تامسطيوس فيما ظنه بأرسطو في هذا الموضع من أنه استعمل مقدمة ممكنة في نتيجة ضرورية. فإن الذي وضع أرسطو هو أن كل ثقيل ممكن أن يفرضه منقسما بالفعل من جهة ما هو ثقيل، والنقطة ليس يمكن فيها ذلك، فانتج من ذلك أن النقطة ليست بثقيلة. ليس بأنه استعمل مقدمة ممكنة، بل انما أوجب امكان شيء لشيء وسلب ذلك الامكان عن شيء آخر، فوجب أن يكون أحدهما مسلوبا ضرورة عن الآخر. وأما البرهان الثاني فهو يستعمل فيه مقدمتين: إحداهما: ان كل ثقيل فهو كثيف، وكل خفيف فهو متخلخل. والمقدمة الثانية: ان الكثيف هو الذي تكون اجزاؤه كثيرة التضام، والمتخلخل هو الذي تكون أجزاؤه غير متضامة. وهذه المقدمة وضعها هاهنا بحسب تسليم القدماء لها، وذلك أن القائلين بالاجزاء (التي لا تتجزأ) هذا هو رأيهم في الثقيل والخفيف، لا أن هذا رأيه في الثقيل والخفيف، فإن الكثيف والمتخلخل هو عنده من باب الكيفية لا من باب الكمية. وإذا وضعنا أن الكثيف والمتخلخل هو على ما كان يعتقد فيه القدماء لزم ضرورة متى كان ثقيل ما مساويا في حجمه لخفيف ما ان يكون أكثر أجزاء منه، فإن كانت النقطة خفيفة أو ثقيلة لزم ضرورة أن تكون كثيفة أو متخلخلة، وإذا كانت كثيفة أو متخلخلة فهي ضرورة منقسمة فإن النقطة الكثيفة يلزمهم أن تكون (أكبر) أجزاء من النقطة الخفيفة. وأما البرهان الثالث فهو هكذا: كل ثقيل اما أن يكون جاسيا واما لينا، والجاسي هو الذي لا يندفع عند الغمز، واللين هو الذي يندفع تحت الغمز ويتطامن. والمتطامن وغير المتطامن يقبلان التجزئة، فإن معنى التطامن هو الذي يقبل التقعير في عمقه، وما كان بهذه الصفة فهو جسم ضرورة، وكل جسم منقسم، فيلزم عن ذلك ان كانت النقطة ثقيلة أن تكون منقسمة. فهذه هي الأقاويل التي بين بها أرسطو أن النقطة ليست بثقيلة ولا خفيفة، وهو أحد ما وضع في المقدم من القياس الشرطي المتقدم، فيلزم عنه أن يكون الجسم الطبيعي ليس فيه ثقل ولا خفة. ولما كان أيضا أحد ما وضع في المقدم من ذلك القياس أنه ليس يمكن أن يتركب شيء له ثقل أو خفة على جهة الكمية من أشياء ليس لها خفة ولا ثقل، أخذ يتقصي بيان ذلك هاهنا على جهة الاستظهار، إذ كان لقائل أن يقول أنه يمكن أن يكون من أشياء لا ثقل لها شيء له ثقل، كما تكون من المادة والصورة عندكم جسم وليس واحد منهما جسما، فقال: إنه إن كان كل ما هو من الأجسام الثقيلة [ 34 و: ع ] أكثر أجزاء فهو أثقل، كان لا محالة للنقط التي يتركب منها الجسم الثقيل ثقل، فإنه إن كان كل جسم ثقيل مركبا من أربع نقط مثلا، وكان أثقل من جسم آخر مركب من ثلاث نقط، إذ كان أكثر أجزاء منه، وقد فرضنا أن كل ما هو أكثر أجزاء هو أثقل، وجب ضرورة أن يكون أثقل منه بشيء ثقيل وهي النقطة الرابعة، كما أن الأشد بياضا من غيره هو أشد بياضا بشيء أبيض لا محالة. وإذا كان ذلك كذلك، فواجب ان كان الجسم ثقيلا، وهو مركب من النقط، أن تكون النقط لها ثقل، وقد تبين أن ذلك غير ممكن. وأيضا ان كان السبب في ان بعض الأجرام أثقل من بعض، كما قيل (32 ظ) [15 ظ] في الكتاب المسمى طيماوش من أجل كثرة السطوح وقلتها، وجب ضرورة ان تكون السطوح لها ثقل، والا فما كان يكون كثرتها وقلتها سببا لتفاضل الأجسام (بعضها على بعض) في الثقل، وان كانت السطوح هي السبب في ان كانت بعض الأجسام خفيفة باطلاق كالنار، وبعضها ثقيلة باطلاق كالأرض، وجب أن يكون بعض النقط ثقيلا (باطلاق وبعضها خفيفا باطلاق) وقد تبين أن ذلك مستحيل.
العناد الثاني
Страница 292