قال: وليس ينبغي أن يتوهم أنا نحيل في قولنا إن الألف هي بَ والباء هي الجيم- أي نأتي في ذلك بقول مستحيل. فإنا لسنا نستعمل هذه الحروف على أنها الشيء المشار إليه المطلوب بيانه، وإنما نأخذها بدل المواد كما يأخذ المهندس الخط الذي يرسمه بدل الخط الذي يقصد البرهان عليه ولذلك قد يضع المهندس أن هذا الخط طول مقدار قدم وأن هذا الخط هو طول لا عرض له، وليس كذلك في الحس. ولذلك وإن كانت الألف المكتوبة ليست هي الباء ولا الباء هي الألف، فلسنا نريد بقولنا إنه متى لم تكن مقولة على كل ما هو بَ وكانت الجيم موضوعة للباء أنه ليس يلزم أن تكون الألف مقولة على الجيم. إلا أنه إذا لم يكن شيء نسبته إلى آخر كنسبة الكل إلى الجزء وآخر نسبته إلى هذا كنسبة الكل إلى الجزء فإنه لا يكون عن ذلك قياس. لكن أخذنا بدل الأمثلة الداخلة تحت هذا القول الحروف لأنه أسهل في التعليم إذ كان إعطاء المثال ضروريا في التعليم.
قال: فبهذا النحو من النظر يمكننا أن نحل المقاييس وليس ينبغي أن نطلب على هذا النحو حل القياس الشرطي لأن ليس يمكن أن يحل القياس الذي تبين على جهة الشرط لأن ذلك إنما يكون على جهة الوضع والاصطلاح بين المتكلمين- مثل أنه إن وضع واضع على جهة الاصطلاح أنه إن كانت توجد قوة واحدة غير قابلة للأضداد فإنه ليس يكون للأضداد علم واحد ثم تبين أنه توجد قوة واحدة غير قابلة للأضداد فيلزم عنه أن لا يكون للأضداد علم واحد. فالذي يمكن أن يحل من هذا القول ليس هو ما وضع على جهة الشرط- وهو قولنا أنه ليس للأضداد علم واحد- لكن الذي يمكن أن يحل هو الشيء الذي يبين على جهة القياس الحملي- وهو قولنا أنه توجد قوة واحدة غير قابلة للأضداد- لأنه قد كان على ذلك قياس- وهو قولنا المرض والصحة أضداد والمرض والصحة ليست قوتهما واحدة فيجب عن ذلك في الشكل الثالث أن ليس كل الأضداد قوتها واحدة، لأنه لو وجد ذلك لوجد الشيء صحيحا مريضا معا. وإنما كان ذلك لأن القياس الشرطي إنما يتبين فيه المستثنى بقياس حملي. وكذلك قياس الخلف ليس يحل منه إلا القياس الحملي الذي يسوق إلى المحال، لا القياس الشرطي، لأنه قد تبين أنه مركب من النوعين من القياس.
1 / 57