وينبغي أن لا يؤخذ من اللواحق إلا اللواحق العامة لكلا الحدين- وهي المحمولة على كل واحد منهما- لا اللواحق الخاصة- وهي الجزئية، أعني المحمولة على بعضها. مثال ذلك أنه إن كان المطلوب هل الإنسان كذا، فإنه ليس ينبغي أن نختار ما هو لاحق لإنسان ما، بل ما هو لاحق لكل إنسان لأنه لا يكون قياس إلا من المقدمات الكلية- كما تبين. وكذلك لا ينبغي أن تؤخذ المقدمات مهملة، لأن المهملة قوتها قوة الجزئية- على ما تبين- وليس يبين من أمرها هل هي كلية أم ليست بكلية. وكذلك ينبغي أن نختار من الأشياء التي يلحقها كل واحد من الحدين الأشياء الكلية. مثال ذلك أن نختار ما يلحقه الإنسان كله لا بعضه. والسور أبدا إنما يجب أن يقرن بموضوع المقدمة المستنبطة لا بمحمولها، لأنه إذا قرن بمحمولها كان إما مستحيلا وإما غير نافع في القياس- على ما تبين في الكتاب المتقدم. وإذا كان أحد الحدين من المطلوب الذي نلتمس أخذ لاحقه محاطا بأمر كلي فلا فرق في هذا الموضوع بين أن نلتمس لاحقه نفسه أو لاحق ذلك الكلي المحيط به. مثال ذلك أنه إذا التمسنا لواحق الإنسان- مثل الحي- وقد علمنا أن الحي محيط بالإنسان، لم يكن في هذا الموضع فرق بين أن نجد لاحقا من لواحق الإنسان أو لاحقا من لواحق الحي، لأن كل ما لحق المحيط بالإنسان فقد يلحق الإنسان. وكذلك أيضا متى التمسنا لاحق أحد الحدين وكان الحد الذي التمس لاحقه محيطا بموضوعات ما، فليس ينبغي أيضا هاهنا أن نشتغل بتصحيح أن ما هو لاحق لذلك الحد فهو لاحق لموضوعه، إذ كان معلوما أن ما لحق الشيء فهو لاحق لما يحيط به ذلك الشيء. وإنما ينبغي أن نصحح أن ذلك الحد الذي أخذ لاحقه محيط بذلك الموضوع. مثال ذلك أنه إذا كان الحي لاحقا للإنساني ومحيطا به، فهو بين أنه لاحق لكل ما يحيط به الإنسان، وإنما الذي ينبغي أن نصحح أن هذا الشيء يحيط به الإنسان أو ليس يحيط به. وينبغي أن نختار من هذه اللواحق المناسبة للمطلوب. فإن كان المطلوب في الممكن الأكثري أخذنا من اللواحق الممكنة الأكثرية، لأن قياس المطالب التي تكون في الممكنة الأكثرية إنما تكون من مقدمات أكثرية، كما أن قياس المطالب التي تكون في المادة الضرورية إنما تكون من مقدمات ضرورية.
فهذه هي القوانين التي بها يلتمس اكتساب المقدمات في كل قياس نقصد عمله.
وأما القوانين التي بها يلتمس القياس نفسه- أعني صورته فهي على ما أقوله. وذلك أن كل مطلوب يلتمس القياس عليه فإما أن يكون موجبا كليا أو سالبا كليا أو موجبا جزئيا أو سالبا جزئيا.
فإن كان المطلوب موجبا كليا وأردنا إنتاجه، فإنه ينبغي أن ننظر في موضوعات محمولة ومحمولات موضوعة. فإن ألفينا بعض موضوعات المحمول في هي بأعيانها بعض محمولات موضوعه فبالضرورة ما يكون المحمول منه في كل الموضوع. وذلك بين من أن هذا الوضع بعينه هو وضع الشكل الأول، إذ كان الموجب الكلي إنما ينتج في هذا الشكل. ومثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل كل جزء من أجزاء العالم محدث، فنجد العالم موصوفا بالمؤلف ونجد المؤلف موضوعا بالحدث، فيأتلف القياس هكذا: كل جزء من أجزاء العالم مؤلف وكل مؤلف محدث، فكل جزء من أجزاء العالم محدث.
فإن أردنا أن ننتج موجبة جزئية من مقدمات كلية، فإن ذلك يمكننا بأن نأخذ موضوعات الحدين معا. فإن ألفينا شيئا واحدا بعينه موضوعا لكليهما، فبالضرورة ما يجب أن يكون المحمول منه موجودا لبعض الموضوع. وذلك بين من وضع الشكل الثالث. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل حركة ما أزلية، فنجد شيئا واحدا موضوعا لهذين الحدين- وهو الجرم السماوي فيأتلف القياس هكذا: الجرم السماوي متحرك والجرم السماوي أزلي ينتج بعض المتحرك أزلي. وقد يتفق ذلك في الشكل الأول متى ألفينا أحد موضوعات المحمول هو بعينه أحد المحمولات على بعض موضوع المطلوب.
1 / 49