وأما الوجودية فيشبه أن يكون أريد بها هاهنا الموجودة بالفعل بإطلاق- أي التي المحمول فيها موجود لكل موضوعاته لا في زمان مشار إليه بل بإطلاق. فإنه قدصرح أرسطو في كتاب البرهان أن المقدمات التي تحمل على الكل غير الضرورية. وقد يدخل في هذا الجنس التي ليست بضرورية- أعني التي يوجد المحمول فيها لكل أشخاص الموضوع وذلك في أكثر الزمان. وهذا هو الفرق بين الضرورية وبين الموجودة بالفعل- أعني أن الضرورية يوجد المحمول فيها لكل أشخاص الموضوع في كل الزمان، وأما تلك ففي أكثر الزمان. ويشبه أن يدخل في هذا الصنف من المقدمات التي يجهل من أمرها أنها ضرورية أو غير ضرورية، لا الموجودة بالفعل مادام الموضوع موجودا أو مادام المحمول موجودا- وهو الذي يذهب إليه الإسكندر- لأن هذه شخصية وإن وجد منها كلية ففي الأقل من الزمان وبالعرض. وقد حذر أرسطو من استعمال أمثال هذه المقدمات الوجودية فيما يأتي بعد وإن كان قد يستعملها أرسطو لأمور دعته إلى ذلك. ولا هي أيضا شيء يشمل الضروري والممكن على ما يذهب إليه ثاوفرسطس وغيره- إلا أن يريد المعلومة الوجود المجهولة كونها ضرورية أو غير ممكنة- فإن المقصود هاهنا هو قسمة المقدمة إلى أقسام الوجود أو إلى أقسام المعارف الأول الموجودة لنا بالطبع في المقدمات، وسيبين هذا من قولنا بعد.
وهذه المقدمات الثلاث- أعني المطلقة والضرورية والممكنة- منها ما ينعكس ومنها ما لا ينعكس. وأعني بالانعكاس أن يتبدل ترتيب أجزاء القضية فيصير محمولها موضوعا وموضوعها محمول ويبقى صدقها وكيفيتها من الإيجاب أو السلب أيضا محفوظا. فأما إذا يتبدل الترتيب ولم يبق الصدق محفوظا فهو الذي يسمى في هذه الصناعة قلب القضية.
القول في انعكاس المقدمات المطلقة
فأما المقدمات المطلقة الكلية فإن السالبة تنعكس محفوظة الكمية. مثال ذلك إن كان ولا شيء من اللذة خير صادقا فقولنا ولاشيء من الخير لذة صادق أيضا. وأما الموجبة الكلية فإنها تنعكس أيضا. وأما الموجبة الكلية فإنها تنعكس أيضا لكنها لا تنعكس محفوظة الكمية- أعني كلية- كالحال في السالبة بل تنعكس جزئية. وذلك أنه إن كان قولنا إن كل لذة خير صادق فقولنا بعض الخير لذة صادق.
وأما المقدمات الجزئية المطلقة فإن الموجبة منها تنعكس جزئية. وذلك انه كان قولنا بعض اللذة خير صادقا فواجب أن كون قولنا بعض الخير لذة صادقا أيضا. وأما السالبة منها فليس تنعكس دائما وفي كل مادة من هذا الصنف- وهو الشيء الذي يشترط في المقدمات المنعكسة- وذلك أنه إن كان صادقا قولنا بعض الحيوان ليس بإنسان، ليس بصادق عكس هذا- وهو قولنا بعض الإنسان ليس بحيوان. فالاستقراء كاف في بيان ما لا ينعكس منها- مثل السالبة الجزئية.
وأما بيان ما ينعكس منها فقد يحتاج إلى قول. فليكن أولا مثال السالبة الكلية قولنا اَ ولا في شيء من بَ، على أن يكون اَ مثالا للمحمول وبَ مثالا للموضوع، فإن التمثيل بالحرف هو أحرى أن لا يظن بما يبين من ذلك أنه إنما لزم من قبل المادة- أعني من قبل مادة المثال الموضوع فيه- لا من قبل الأمر في نفسه- مثل أن نضع بدل اَ حيوانا وبدل بَ حجرا. فأقول إنه إذا كان قولنا ولا شيء من اَ بَ صادقا فإنه يجب ضرورة أن يكون ولا شيء من بَ اَ صادقا، لأنه إن لم يكن قولنا ولا شيء من بَ اَ صادقا فنقيضه هو الصادق على ما تبين في الكتاب المتقدم وهو قولنا بعض بَ اَ. فلنفرض ذلك البعض شيئا محسوسا- وهو جَ مثلا- فتكون جَ التي هي بعض بَ موجودة بالحس في اَ فهي بعض اَ، فيكون بعض اَ موجودا بالحس في بَ وقد كنا فرضنا أنه ولاشيء من اَ هو بَ صادقا، وذلك خلف لا يمكن. فإذن قولنا بعض بَ اَ كاذب. وإذا كذب هذا، صدق قولنا ولا شيء من بَ اَ، وهو الذي قصدنا بيانه.
1 / 3