فأرسطو بين من أمره أنه لا يرى في هذا الصنف أن جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى. إن كانت المقدمة الكبرى مطلقة فالنتيجة مطلقة، وإن كانت ضرورية فالنتيجة ضرورية. وثاوفرسطس وأوديموس من قدماء المشائين وثامسطيوس من متأخريهم ومن تبعهم يرون أن جهة النتيجة تابعة لأخس الجهتين- أعني أنها توجد أبدا في مثال هذا التأليف تابعة للمقدمة المطلقة، فإن الوجود المطلق أخس من الوجود الضروري. ومن أقوى ما يتمسكون به في ذلك أنهم يرون أن كل شيء كان فيه شيء يجري مجرى الجزء والكل فإنه متى حمل شيء حملا ما على الكل فيجب أن يحمل على الجزء بتلك الجهة بعينها، ومتى حمل أيضا الجزء على شيء ما حملا بجهة ما فيجب أن يحمل الكل على ذلك الشيء بتلك الجهة بعينها. ولما كان كل قياس فيه شيء يجري مجرى الكل ومجرى الجزء فمتى كانت إحدى المقدمتين مطلقة والأخرى ضرورية، فلا يخلو ذلك من أن تكون الضرورية هي الصغرى والمطلقة هي الكبرى أو الضرورية هي الكبرى والمطلقة هي الصغرى. قالوا: فإن كانت الضرورية هي الصغرى، ففيها شيء يجري مجرى الكل وفيها شيء يجري مجرى الجزء. أما الذي يجري مجرى الكل فالحد الأوسط، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحد الأصغر. فيجب متى حمل شيء بجهة ما على الكل الذي هو الحد الأوسط أن تكون بتلك الجهة بعينها تحمل على الجزء الذي هو الطرف الأصغر. ومتى كانت الضرورية هي المقدمة الكبرى كان الكل والجزء موجودا فيها أيضا. أما الذي يجري مجرى الكل فالطرف الأكبر، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحد الأوسط. فيجب متى حمل الجزء الذي هو الحد الأوسط على الطرف الأصغرى بجهة ما أن تكون تلك الجهة بعينها هي جهة حمل الكل الذي هو الطرف الأكبر عليه. قالوا: فكيف ما كان يجب أن تكون جهة الحمل في النتيجة تابعة لجهة المقدمة المطلقة.
وهذا القول الاختلال فيه بين. وذلك أن اعتبار الكل والجزء في القياس من جهة ما هو قياس منتج في الشكل الأول بحسب المقول على الكل إنما هو في المقدمة الصغرى. ولذلك اشترط فيها أن تكون موجبة، واشترط في الكبرى أن تكون كلية ولم يشترط فيها أن تكون موجبة. وإذا كان ذلك كذلك فلا اعتبار بالكل والجزء الموجود في المقدمة الكبرى إن وجد، سواء كان ضروريا أو لم يكن، بل الواجب اعتبار الكل والجزء في الموضع الذي هو شرط في وجود القياس، وهو الكل والجزء الموجود في المقدمة الصغرى. وإذا كان ذلك كذلك فتكون جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى على ما يراه أرسطو. ولو سلمنا لهم أن الجزء والكل يعتبر في كل واحدة من المقدمتين، لم يكن لنا أن نجعل في موضع الاعتبار بالجزء والكل الذي يكون في المقدمة الصغرى وفي موضع الاعتبار بالجزء والكل الموجود في الكبرى حتى يتحكم على القياس هذا التحكم. وأيضا فمتى اعتبرنا الجزء والكل في المقدمة الكبرى ولم نعتبره في الصغرى، لم يكن قياس إلا بالعرض لأنه ليس يجب أن يكون الطرف الأصغر منطويا في الحمل تحت المقدمة الكبرى، وذلك بين بنفسه.
وأما ما يحتجون به من أنه يجب أن تكون جهة النتيجة تابعة لأخس جهتي المقدمتين كالحال في الإيجاب والسلب- أعني أنه متى كانت إحدى المقدمتين موجة والأخرى سالبة أن النتيجة تتبع السالبة التي هي أخس- فإن هذا قياس شبهي. وذلك أن النتيجة ليس تتبع المقدمة السالبة دون الموجبة من جهة أن السالبة أخس من الموجبة، بل من جهة ما هي سالبة. والمطلقة وإن كانت أخس فهي موجبة لا سالبة. واختلال هذا القول ظاهر بنفسه.
1 / 19