عاد الشاب إلى السؤال: ماذا كان يعلم؟
وأجابه الغلام: أن الماء يفتت الصخر بمرور الأيام، وأن الضعيف يغلب القوي، والوداعة تهزم الصلابة والغرور، وتنتصر على المستحيل.
ولكي لا يضيع عليهما ضوء النهار الأخير، دفع الغلام الثور الذي يحمل العجوز على ظهره. وما إن اختفى الثلاثة وراء شجرة سوداء مظلمة الأوراق حتى أبصرا الشاب يعدو خلفهما، وسمعاه يصيح مناديا: أنت! قف لأسألك! ماذا تقصد بحكاية الماء أيها العجوز؟
اقترب الشاب اللاهث الأنفاس، وتأمل المعلم وجهه وسأله: هل يهمك هذا؟
قال الشاب: ما أنا إلا عامل جمرك فقير، لكن يهمني أن أعرف كيف ينتصر الإنسان. إن كنت تعرف الجواب فتكلم! اكتبه لي. أمله على هذا الغلام. مثل هذا العلم لا يستأثر به أحد. الورق عندنا والريشة والمداد، وعندنا أيضا طعام بسيط للعشاء. إنني أسكن هناك، في الكوخ القائم بالقرب من مخفر الحدود.
تطلع العجوز إلى الشاب؛ السترة مرقعة، القدمان حافيتان، وعلى الجبهة والوجه تجاعيد وأخاديد مبكرة. وتمتم المعلم: أنت أيضا تريد أن تعرف؟ حقا! من يسأل يستحق أن يسمع الجواب.
وأضاف الغلام: والجو سيبرد أيضا بعد قليل.
همس المعلم: حسن. فلنهبط هنا إلى حين.
نزل الحكيم من على ظهر دابته، وأخذ يملي على الغلام سبعة أيام، وعامل الجمرك الفقير يفتح الباب في هدوء، ويخطو على أطراف قدميه وهو يحضر إليهما ما تيسر من الطعام. وذات صباح ناول الغلام عامل الجمرك الشاب إحدى وثمانين حكمة كتبت بالشعر المنثور، وبعد أن شكراه على كرم ضيافته شدا الثور الأسود، وانعطفا حول الشجرة السوداء ثم غابا في حضن الجبل. هكذا تم تدوين الكتاب، وأملى الحكيم - الذي طالما أكد أن العارف لا يتكلم! - ما يزيد على خمسة آلاف كلمة ضمها هذا الكتاب العجيب من القرن الخامس أو الرابع قبل الميلاد. هل نشعر اليوم بواجب الثناء على الحكيم الذي يسطع اسمه على صدر الكتاب الشهير، أم ينبغي علينا أيضا أن نشكر عامل الجمرك البسيط الذي استطاع أن ينتزع الحكمة من فم الحكيم الصامت، كما عرف كيف يطلبها منه وينشرها من بعده؟
تلك هي حكاية كتاب «الطريق والفضيلة» (تاو-تي-كنج)، الذي أملاه المعلم العجوز «لاو-تزو» عند آخر حدود الصين أثناء رحلته الأخيرة إلى مهجره أو منفاه، استوحيناها من القصيدة التي عرضها بها الشاعر والكاتب المسرحي الأشهر «برتولد بريشت»،
Неизвестная страница