Философские эксперименты

Абдель-Гаффар Маккави d. 1434 AH
66

Философские эксперименты

تجارب فلسفية

Жанры

والواقع أن رأي العالمين لا ينفي عن جلجاميش أنه بطل مأسوي؛ فالعالم الأول يضع الصفحات التي كتبها عن جلجاميش (ضمن الفصل السابع من كتاب ما قبل الفلسفة عن الحياة الفاضلة في أرض الرافدين) تحت عنوان دال هو «الثورة على الموت». ونحن نجد هذه الثورة في ملحمة جلجاميش في صورة سخط مكتوم، وإحساس دفين بالظلم. وقد نشأ هذا الإحساس عن الفكرة الجديدة عن حقوق الإنسان ومطالبته بالعدل في الكون وفي المجتمع، باعتباره حقا وليس منة من الآلهة، وبخاصة بعد التطور في مفهوم العدل منذ الدولة البابلية القديمة وحكم حامورابي صاحب الشريعة المشهورة بوجه خاص؛

13

ولذلك واجه جلجاميش الموت - كما واجهه كثير من أدباء الحكمة البابلية بعد ذلك - بوصفه شرا أو عقابا أو ظلما، بل بوصفه الظلم الأكبر.

14

ومع أن حكمة الحضارة البابلية التي رددها جلجاميش نفسه في الملحمة كما رددها رجل الطوفان أوتنابشتيم، كانت تقول - على نحو ما رأينا - إن الموت لا بد منه، فإن هذا لم يمنع أن تكون جلجاميش بأكملها ملحمة مقاومة الإنسان للموت، ومحاولة الانتصار عليه. ومن هنا تأتي مأسويتها التي تتغلغل فيها، وتلمس قلوبنا حتى اليوم، كما تأتي مأسوية النهاية التي حاول جاكوبسون أن ينفي عنها التطهير الذي تحدثه المأساة، وإن اعترف بأن عواطفها تبقى في احتدام، وأن اضطرابها الداخلي يظل في غليان. وفي هذا وحده ما فيه من مأسوية سنرجع إليها بعد قليل.

أما العالم العربي فينفي الصفة التراجيدية كذلك عن نهاية الملحمة؛ لاعتقاده - الذي نشاركه فيه - بأن البطولة في جلجاميش قد وظفت توظيفا حضاريا جديدا؛ إذ لم تعد هي بطولة التحدي والمواجهة ضد الآلهة كلها أو بعضها، ولا ضد الكون والطبيعة وما يحتويان من مخلوقات، ولا ضد الإنسانية ممثلة في أعداء البطل من بني جنسه، والكائنات الأسطورية التي تتعداه في القوة والرهبة التي تثيرها. إن البطل قد أصبح هو الإنسان صانع الحضارة التي تمثل طريقه إلى الخلود.

15

من هذه العبارة نعيد النظر في النهاية المأسوية التي تحدثنا عنها، ولم تكن في الحقيقة هي نهاية الملحمة؛ فالقراءة المتأنية للنص ترينا بوضوح أن الملحمة تنتهي كما بدأت؛ أي تكرر البداية في النهاية. صحيح أن النص في الحالة الثانية قد ورد في صيغة خطاب إلى أورشنابي الملاح، يحثه فيه على أن يتأمل أعمال «المتكلم» جلجاميش العمرانية والحضارية (كالسور المشهور، ومعبد عشتار، والشارات أو مساحات الأرض المزروعة)، بينما ورد ذكرها - باستثناء الشارات - في بداية الملحمة بالإشارة إلى جلجاميش في صيغة الغائب، لكن المغزى في الحالين واحد، وهو أن الأعمال الحضارية الباقية هي الخلود الوحيد الذي يلائم البشر. وقبل أن نتطرق للكلام عن هذا المغزى الحضاري علينا أن نقف وقفة قصيرة عند النص نفسه؛ فبعد صرخات اليأس المفجعة التي رددها جلجاميش على أثر اكتشافه لضياع النبتة ومعها كل أمل في الخلود (ل11، س293-296)، نجد هذه السطور الثلاثة التي اختلف المترجمون في ترجمتها اختلافا يسمح بتفسيرها تفسيرات مختلفة. ها هي ذي الترجمة الألمانية تؤديها بصورة ربما تكون دقيقة، ولكنها لا تخلو من الاضطراب: «الآن يرتفع اليم مسافة عشرين ساعة مضاعفة، وقد تركت الأداة «؟» تسقط مني عندما فتحت قناة صغيرة، فكيف لي بمثلها لأضعها إلى جانبي؟ ليتني انسحبت وتركت السفينة على الشاطئ!» (ل11، س297-299). وتؤدي ترجمة فراس السواح السطور نفسها أداء لا يقل اضطرابا وغموضا: «عندما دخلت المجرى وفتحت القناة، وجدت شارة وضعت لي، وإني أعلن انسحابي، سأترك السفينة عند الشاطئ»

16 (ل11، 64، س298-300). أما ترجمة العلامة طه باقر - رحمه الله - فتعمد إلى الترجمة الشارحة، كما فعلت في مواضع أخرى عديدة، وتصوغها على النحو التالي: «وقد سبق لي أني لما فتحت منافذ الماء، وجدت أن هذا نذير لي أن أتخلى «عن مطلبي»، وأترك السفينة في الساحل.»

17

Неизвестная страница