ألا ذمة وازعة؟ ألا وجوه تستحي؟ أعند أجداث العظماء أجداث الفاتح وسليم والصقوللي والكوبريلي؟ أتلقاء مراقد الشهداء شهداء الحرية بمقربة من «الكاغد خانة»؟
لا حزن إلا أن تتصدع القلوب كما تصدعت تلك المباني، ولا وجد إلا أن تنضب شئون العيون كما نضبت تلك المياه، تفنى الألفاظ وتنفذ المعاني ولا يؤدي الشكاية لسان ناطق ولا قلم كاتب، وا حسرتاه على فروق.
ما لنا؟ ماذا نحاول عند هذا الملك المسكين؟ لقد مال حتى ضرب الأرض بجرانه، ألا أشفى، ألا احتضر، أيتها القلوب القاسية، أيتها الأيدي العابثة، أما شبعت من القرابين؟ عفي قليلا، فلقد تعف السباع إذا كثرت لديها الأشلاء.
تعالوا أيها العثمانيون ندرك فروق، تعالوا نأس جراحها، عاصمة ملككم، عذراء دولتكم، إخوانكم، أخواتكم بالعراء موسدون، ألا تغارون عليهم من الأعين الخائنة؟ أليس فيكم من ينهض ليستر جسدا عاريا عاش مصونا؟ ادعوا العثمانيين إلى نجدة فروق، هل من سامع؟ هل من مجيب؟
الفصل الثالث عشر
لعل النهضة الثانية أثبت من الأولى1
كانتا كنا حالمين، أطبقت ظلم على ظلم حتى التمس الناس بعضهم بالأيدي، ثم لاحت إيماضة فانطوت، ثم استمرت الظلمات أربعة أعوام كاملة، وها نحن اليوم نتبصر فنرى سنا باديا فنهتدي به، إذا لم يكن برقه خلبا فإنه كوكب الصبح، بعده نهار مشرق الطلعة صافي الديباجة، ألا عم صباحا أيها الطلل البالي.
كنا في مثل هذا الأوان نسمع ما يقوله المعجبون بالاتحاديين، فنكاد نطاول الجبال غرورا، وكنا إذا ذكر الاتحاديون نطرب به كما يطرب بالصوت الحسن سامعه، فإذا دعا باسم الجمعية داع أصاخت له الأرواح في الأجساد، وكم تخيلنا تلك الجمعية، فواحد يصور منها مثالا كتمثال «فينوس»، وآخر يقيم لها طورا يسجد له كأنه طور سيناء، وظل كل قلم كأنه «فرشة» روفائيل المصور الشهير، وظلت سلانيك ومناسير كأنهما لوحان من ألواحه الفاتنة الخالدة.
وهبنا هذه الجمعية المودات وبذلنا أيام الحياة ، فردت المودات وقبلت أيام الحياة، فباتت وهي أملك للأرواح من بارئها، وكانت أحب إلى الناس من النعيم، فصارت أبغض إليهم من الشقاء. ولما سطت على المستبد سطوتها، ورحلت به إلى موضع أمانها، زادت مكانا وحبا، حتى قدسناها تقديسا، وكانت في غفلة من الأمة تسرق وتخزن إلى أن نما ثراؤها وملئت خزائنها، ثم اشتد ساعدها واستحل سطرها فلم توقع به إلا الأمة، فإذا سيف من عدل الإله قد سل على زقاق «شرف» حتى كاد يحصد زرعه حصدا.
إنا لنعرف لأبطال العثمانيين فضلهم، لقد استعادوا الدستور مرتين، أما المرة الأول فأتى من لم يصنعوا شيئا وزاحموهم في الحكم، وأما المرة الثانية فنرجو أن لا تكون كذلك، اليوم أهل فروق في عيد جديد، هنيئا لأهل فروق عيدهم، وإنها لحسناء وإن صفيت، وفاتنة وإن رفلت في الأطمار البالية، إذا بدت على ترائبها قلائد الزينة بين الثياب، رأينا كواكب الأفق في الليلة الصافية، لن يغيرها أن مآلفها اليوم أجداث، وأن دورها أطلال، حسبها أن خلصها من ظلم الاتحاديين، فإن دام لها هذا الهناء فذلك جد عاود الصعود، وإن ودعها بعد قليل وصل ساعة داوى هجر أعوام.
Неизвестная страница