ثلاثة أعوام، وحج فيها أربع حجج، ثم رحل إلى بغداد، فأقام بها ثلاثة أعوام يدرس الفقه، ويقرأ الحديث، ولقي بها سادة من العلماء؛ كأبي الطيب الطبري الفقيه الشافعي، والشيخ أبي إسحق الشيرازي صاحب "المهذب"، وأقام بالموصل مع أبي جعفر السمناني عامًا يدرس عليه الفقهَ، وكان مقامه بالمشرق نحو ثلاثة عشر عامًا، وروى عن الحافظ أبي بكر الخطيب، وروى الخطيب أيضًا عنه، قال: أنشدني أَبو الوليد الباجي ﵀ لنفسه:
إذا كنتُ أعلمُ علمًا يقينًا ... بأنَّ جميعَ حياتي كساعَه
فَلِمْ لا أكونُ ضَنينًا بِها ... وأَجعلُها في صلاحٍ وطاعهْ
وصنف كتبًا كثيرة، منها: كتاب "المنتقى"، وكتاب "التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في "الصحيح"، وغير ذلك، وهو أحد أئمة المسلمين، وكان يقول: سمعت أبا ذر عبدَ بنَ أحمد الهروي يقول: لو صحت الإجازة، لبطلت الرحلة.
وكان قد رجع إلى الأندلس، وولي القضاء هناك.
ومولده يوم الثلاثاء النصف من ذي القعدة سنة ٤٠٣ بمدينة بَطْلَيَوْسَ.
وتوفي بالمَرِيَّة ليلة الخميس بين العشاءين تاسع عشر رجب سنة ٤٧٤، ودفن بالرباط على ضفة البحر، وصلَّى عليه ابنه القاسم.
وأخذ عنه أَبو عمرو بنُ عبد البَرِّ صاحبُ كتاب "الاستيعاب"، وبينه وبين أبي محمد بن حزم المعروفِ بالظاهري مجالسُ ومناظراتٌ وفصول، يطولُ شرحُها.
والباجي: نسبة إلى باجة، وهي مدينة بالأندلس، وثمَّ باجةٌ أخرى، وهي مدينة بأفريقية، وباجةُ أخرى، وهي قرية من قرى أصبهان.
وذكر له المَقَّرِيُّ في "نفح الطيب" ترجمةً حافلة جليلة، وقال: ولعمري! إنه لم يوفَّ القاضي الباجيُّ حقَّه الواجبَ المفترض، ووددتُ أنه مُدَّ النفسُ في ترجمته بعبارة يعترف ببراعتها من سلَّم له ومن اعترض، قال: ومن تواليفه:
1 / 43