تجول جو هارلاند في متنزه باتري حتى وجد مكانا فارغا في أحد المقاعد، ثم ترك نفسه ليرتمي عليه. كانت الشمس تغرق في بخار زعفراني مائج خلف نيوجيرسي. حسنا، لقد انتهى الأمر. جلس طويلا يحدق في غروب الشمس كما لو كان يحدق في صورة بغرفة انتظار طبيب أسنان. تنبعث جدائل كبيرة من الدخان من زورق قطر مار ملتفة لأعلى سوداء وقرمزية أمام الزورق. جلس محدقا إلى غروب الشمس، منتظرا. تلك 18 دولارا و50 سنتا كانت معي من قبل، ناقص 6 دولارات لإيجار الغرفة، ودولار و84 سنتا لغسيل الملابس، و4 دولارات و50 سنتا أدين بها لتشارلي، المجموع 7 دولارات و84 سنتا، 11 دولارا و84 سنتا، 12 دولارا و34 سنتا من 18 دولارا و50 سنتا، يتبقى 6 دولارات و16 سنتا، ويجب علي العثور على وظيفة جديدة في غضون 3 أيام إن امتنعت فيها عن الشراب. يا إلهي، ليت حظي يتغير؛ لقد كان لي حظ وافر في الأيام الخوالي. كانت ركبتاه ترتجفان، وكان ثمة شعور بحرقة مثيرة للغثيان في أعماق معدته.
يا لها من فوضى عارمة ألحقتها بحياتك يا جوزيف هارلاند! تبلغ من العمر الخامسة والأربعين وليس لديك أصدقاء أو معك سنت ننعم به على نفسك.
كان شراع القارب أحادي الصاري مثلثا وقرمزيا عندما أبحر في اتجاه الرياح على بعد بضع أقدام من الممشى الأسمنتي. انحنى شاب وشابة معا عندما مرت ذراع المحرك الخفيف متأرجحة. كانت الشمس قد أكسبتهما لونا برونزيا، وكان لهما شعر أصفر بيضه الطقس. عض جو هارلاند شفتيه ليمسك نفسه عن البكاء عندما ابتعد القارب أحادي الصاري إلى داخل ظلمة الخليج التي تنعم بمسحة من الشفق. يا إلهي، إني بحاجة لشراب.
يقول مرارا وتكرارا: «أليست جريمة؟ أليست جريمة؟» حتى أجفل الرجل الجالس إلى يساره. أدار جو هارلاند رأسه، وقد كان للرجل وجه أجعد أحمر وشعر فضي. أمسك بالجريدة المفتوحة على صفحة الدراما والمشدودة بين راحتيه المتسختين. «ترتدي هؤلاء الممثلات الشابات جميعا ملابس مكشوفة بهذا الشكل ... عجبا، فليتركونا في حالنا.» «ألا تحب مشاهدة صورهن في الجرائد؟» «أقول عجبا ليتركونا في حالنا ... إذا لم يكن لديك عمل أو مال، فما الفائدة منهن؟» «حسنا، الكثيرون يحبون مشاهدة صورهن في الجرائد. أنا عن نفسي كنت أفعل ذلك في الأيام الخوالي.»
زعق بوحشية: «كان لدينا عمل في الأيام الخوالي ... أليس لديك عمل الآن؟» هز جو هارلاند رأسه. «حسنا، ماذا سيحدث بحق الجحيم؟ عليهن أن يتركوك وحدك، أليس كذلك؟ لن تكون هناك وظائف حتى يحل الشتاء ويبدأ جرف الثلوج.» «ماذا ستفعل حتى ذلك الوقت؟»
لم يجب الرجل الهرم. انحنى مرة أخرى فوق الجريدة محدقا ومتمتما. «جميعهن يرتدين ملابس مكشوفة ، إنها جريمة، صدقني.»
نهض جو هارلاند وغادر.
اقترب الليل، وكانت ركبتاه متيبستين من الجلوس ساكنا لوقت طويل. وهو يسير ضجرا، شعر بكرشه يشنجه حزامه المحكم. يا جواد الحرب الهرم المسكين، إنك بحاجة لبعض الشراب للتفكير في الأمور. خرجت نفحات من رائحة الجعة عبر بابين متأرجحين. بالداخل، كان وجه الساقي كتفاحة خمرية فوق رف من خشب الماهوجني من أرفف أركان الحانة. «أعطني جرعة من الجاودار.» لسع الويسكي حلقه ساخنا وعبقا. هذا الشيء يشعرني بكياني. دون أن يتناول الشراب المعتدل اللاحق، اتجه مباشرة إلى الغداء المجاني وتناول شطيرة من لحم الهام وزيتونة. «دعني أتناول جرعة أخرى من الجاودار يا تشارلي. فهذا الشيء يشعرني بنفسي. لقد توقفت عن تناوله كثيرا، وهذا ما جعلني أشعر أنني لست على ما يرام. لا يمكنك تخيل ما كنت عليه بالنظر إلي الآن يا رفيقي، ولكنهم كانوا يطلقون علي ساحر وول ستريت، وما هي إلا إحدى صور السيطرة العجيبة للحظ على أمور البشر ... أجل يا سيدي بكل سرور. حسنا، لنشرب من أجل الصحة والعمر المديد وليذهب الجالب للنحس إلى الجحيم ... إنه يصنع منك رجلا ... حسنا، أعتقد أنه لا يوجد أحد منكم أيها السادة هنا لم يقدم على المخاطرة في وقت أو آخر، وكم منكم لم يرجع عليه ذلك بمزيد من الحزن والحكمة! هذا مثال آخر على السيطرة العجيبة للحظ على أمور البشر. لكن هذه لم تكن الحال معي؛ فلعشر سنوات يا سادة لعبت في سوق البورصة، لعشر سنوات لم تترك فيها يدي شريط جهاز أسعار البورصة ليلا أو نهارا، ولعشر سنوات لم أخسر سوى ثلاث مرات حتى آخر وقت. سأخبركم بسر أيها السادة. سأخبركم بسر مهم للغاية ... أعط أصدقائي الجيدين جدا هؤلاء جرعة أخرى من الشراب يا تشارلي، تحية مني، واسكب جرعة لنفسك ... يا إلهي، إنه يدغدغ الحلق في المكان المناسب ... أيها السادة، هذا مثال آخر على السيطرة العجيبة للحظ على أمور البشر. إن سر حظي يا سادة ... وهو صحيح أؤكد لكم؛ إذ يمكنكم التأكد منه بأنفسكم من مقالات الصحف، والمجلات، والخطب، والمحاضرات التي قدمت في تلك الأيام، وحتى من رجل، اتضح مؤخرا أنه وغد قذر، كتب عني قصة بوليسية أسماها سر النجاح، والتي يمكنكم أن تجدوها في مكتبة نيويورك العامة إن كنتم مهتمين بالبحث في الأمر ... كان سر نجاحي ... وعندما تسمعون إليه ستضحكون فيما بينكم وتقولون إن جو هارلاند قد ثمل، جو هارلاند أحمق هرم ... أجل ستفعلون ... لعشر سنوات أؤكد لكم أنني كنت أتاجر بالهامش، وأشتري بالكامل، وغطيت أسهما لم أكن لأسمع عنها، وكنت أربح في كل مرة. لقد تكومت لدي الأموال. كنت أمتلك أربعة بنوك في راحة يدي. بدأت أعرف طريقي إلى الحلوى والكوتابركا، ولكني كنت سابق عهدي في ذلك ... غير أنكم تائقون لمعرفة سري، تظنون أنه كان بإمكانكم الاستفادة منه ... حسنا، لم يكن بإمكانكم ذلك ... لقد كانت رابطة عنق حريرية زرقاء مغزولة صنعتها أمي لي عندما كنت طفلا صغيرا ... لا تضحكوا، اللعنة عليكم ... كلا، لا أبتدع شيئا. فما هذا إلا مثال آخر على السيطرة العجيبة للحظ. في اليوم الذي ساهمت فيه مع رجل آخر لتوزيع ألف دولار على سكة حديد لويزفيل وناشفيل بالهامش، كنت أرتدي ربطة العنق تلك. وقد ارتفع السهم بمقدار 25 نقطة في 25 دقيقة. كانت تلك هي البداية. ثم بدأت ألاحظ تدريجيا أن الأوقات التي لم أكن أرتدي فيها ربطة العنق تلك كانت هي الأوقات التي خسرت فيها المال. تقدمت كثيرا في العمر وأصبحت رثة الهيئة، فحاولت حملها في جيبي. ولكنها لم تفعل أي شيء. فكان علي ارتداؤها، هل تستوعبون الأمر؟ ... البقية هي الحكاية القديمة الأزلية يا سادة ... كانت هناك فتاة، تبا لها، وقد أحببتها. أردت أن أريها أنه ليس ثمة شيء في العالم لن أفعله من أجلها فأعطيتها إياها. وتظاهرت أن الأمر كان مزحة وأخذت الأمر بمرح، هأ، هأ، هأ. قالت عجبا إنها ليست جيدة، إنها بالية تماما، وألقت بها في النار ... ما هذا إلا مثال آخر ... ألن تقدم لي شرابا آخر يا صديقي؟ وجدت نفسي خالي الوفاض على حين غفلة بعد ظهيرة هذا اليوم ... أشكرك يا سيدي ... آه، ذلك الشراب يحرق الحلق مجددا.» •••
في عربة المترو المكتظة، كان ساعي البريد ملاصقا ظهره ظهر امرأة شقراء طويلة تفوح منها رائحة حدائق الأبنية المقدسة التي تحوي تمثالا للعذراء مريم. المرافق، والأمتعة، والأكتاف، والأرداف تتمايل مقتربة بعضها من بعض مع كل ترنح للقطار السريع المصرصر. كانت قبعة شركة ويسترن يونيون المتعرقة التي كان يرتديها قد تلقت لكمة أمالتها فوق رأسه. إذا كانت معي امرأة مثل تلك، امرأة مثلها تستحق أن يسرق المرء القطار من أجلها، تنطفئ الأنوار، ويتعطل القطار. كان بإمكاني أن أحظى بها لو كانت لدي الجرأة والمال. عندما تباطأ القطار سقطت عليه، أغلق عينيه، ولم يتنفس، وكانت أنفه مدفونة في عنقها. توقف القطار. حمله سيل من البشر إلى خارج الباب.
مصابا بالدوار ترنح في الهواء وكتل الضوء الوامضة. كان شارع برودواي بالأعلى يعج بالمارة. إذ تسكع البحارة في ثنائيات وثلاثيات عند ناصية شارع 96. تناول لحم الهام وشطيرة من نقانق الكبد في متجر بقالة. كان للمرأة خلف طاولة البيع شعر سمني اللون مثل الفتاة التي كانت في المترو، غير أنها كانت تفوقها وزنا وتكبرها سنا. دخل المصعد وهو لا يزال يمضغ كسرة الشطيرة الأخيرة وصعد إلى الحديقة اليابانية. جلس يتفكر قليلا والنافذة تومض أمام عينيه. يا إلهي، سيعجبون من رؤية ساعي بريد هنا يرتدي هذه الثياب. من الأفضل أن أفر من هنا. سأذهب لتسليم البرقيات.
Неизвестная страница