تجرع جاس كأس الجعة وأشار بيد مبسوطة للأمام إلى عنقه قبل أن يمسح بها فمه. «بلغ الأمر الحلقوم ... سأخبرك بما سأفعل، سأذهب إلى الغرب، وسآخذ أرضا فارغة في داكوتا الشمالية أو في أي مكان آخر وسأزرع القمح ... أتقن جيدا العمل في المزارع ... أما العيش هنا في المدينة، فلا جدوى منه.» «ما رأي نيللي في ذلك؟» «لن يروق الأمر لها في البداية؛ فهي تفضل وسائل الراحة في المنزل وكل ما اعتادت عليه، غير أنني أظن أنها سيعجبها الوضع عندما نذهب إلى هناك كذلك. فهذه ليس حياة مناسبة لها أو لي أيضا.» «معك حق. فهذه المدينة في طريقها إلى الدمار ... سأبيع أنا والفتيات ما لنا هنا في يوم من الأيام عما قريب حسب ظني. إن استطعنا أن نشتري مطعما لائقا في الحي السكني أو نزلا على الطريق، فهذا ما سيناسبنا. أضع عيني على عقار صغير خارج طريق برونكسفيل، على مسافة يسهل الوصول إليها بالسيارة.» متأملا يرفع قبضته الشبيهة بالمطرقة إلى ذقنه. «لقد سئمت من طرد هؤلاء السكارى الملاعين كل ليلة. اللعنة، أتركت الحلبة لأستمر في القتال؟ آخرها ليلة أمس؛ إذ بدأ رجلان الشجار، وكان علي أن أتشاجر مع كل منهما كي يغادرا المكان ... لقد سئمت من الشجار مع كل سكير في الجادة العاشرة ... أترغب في مشروب آخر على حساب المكان؟» «يا إلهي، أخشى أن تشم نيللي رائحة الكحول مني.» «أوه، لا تبال لذلك مطلقا. لا بد أن نيللي قد اعتادت على شربك بعض الخمر. فزوجها الهرم يحبه كثيرا.» «ولكني صدقا يا ماك لم أسكر ولو مرة منذ زفافنا.» «لا ألومهم. فنيللي فتاة جميلة حقا. وتلك التجعيدات الصغيرة في شعرها تسلب الرجال عقولهم.»
أرسل كأس الجعة الثانية إحساسا بالتورد اللاذع والرغوي إلى أنامل جاس. فصفع فخذه ضاحكا. «إنها كقشرة البيضة، هذه هي طبيعتها يا جاس، وهي سيدة شديدة الرقي كذلك.» «حسنا، أعتقد أنني سأرجع إليها.» «يا لك من شيطان صغير محظوظ أن تعود إلى المنزل لتنام في سريرك مع زوجتك، بينما نستهل جميعا الذهاب للعمل!»
ازدادت حمرة وجه جاس المتورد. وخدرت أذناه. «أحيانا تكون لا تزال في الفراش ... وداعا يا ماك.» خرج داقا بقدميه في الشارع مجددا.
ازداد الصباح وحشة. إذ استقرت السحب الكئيبة فوق المدينة. صاح جاس وهو يهز رأس الفرس الخصي: «انهض يا ذا الجلد والعظام المسنة.» الجادة الحادية عشرة ممتلئة بالغبار الجليدي، وقعقعة سحق العجلات، واحتكاك الحوافر على الأرض المرصوفة بالحصى. وفي مسارات السكة الحديدية، تسمع جلجلة جرس قاطرة ودبيب تفريغ عربات البضائع. جاس في الفراش مع زوجته يتحدث إليها برفق. اسمعي يا نيللي، لا تمانعين من أن ننتقل إلى الغرب، أليس كذلك؟ لقد أرسلت طلبا للحصول على أرض مزرعة فارغة في ولاية داكوتا الشمالية، إنها أرض ذات تربة سوداء حيث يمكننا جني كومة من المال بزراعة القمح؛ فبعض الرجال أصبحوا أغنياء بعد خمس غلات جيدة ... وهي حياة صحية أكثر للأطفال على أي حال ... «مرحبا يا مويكي!» لا يزال مويكي الهرم المسكين في نوبة عمله. إن العمل شرطيا فيه تعرض للبرودة. أفضل أن أكون مزارعا للقمح وأن يكون لدي بيت مزرعة كبير، وحظائر، وخنازير، وخيل، وبقر، ودجاج ... وتطعم نيللي الدجاج عند باب المطبخ بشعرها الجميل المجعد ...
صاح رجل مناديا جاس من فوق حافة الرصيف: «مرحبا، يا إلهي ... انتبه للعربات!»
ينفرج فم صائحا أسفل قبعة ذات حافة، ويلوح علم أخضر. «يا إلهي، إنني فوق قضبان السكك الحديدية.» حول رأس الحصان بقوة. اصطدمت العربة خلفه متصدعة. العربات، والحصان الخصي، والعلم الأخضر، والمنازل الحمراء تدور وتتلاشى في الظلام.
الفصل الثالث
دولارات
على طول السياج كانت هناك وجوه، وفي فتحات الإضاءة كانت هناك وجوه. باتجاه الريح، أتت رائحة كريهة من الباخرة الصغيرة الحجم البدينة المربوطة في المرساة، والمائلة قليلا على أحد جانبيها ويتدلى من صاريها الأمامي علم العزل الأصفر.
قال الرجل الهرم الذي كان ساندا على مجدافه: «مستعد أن أدفع مليون دولار لأعرف سبب مجيئهم.»
Неизвестная страница