بصناعتهم إلا بعد أن كانت بينها وين معاني تلك الصناعة مشاكلات، وقبيح
بالمتكلم أن يفتقر إلى ألفاظ المتكلمين في خطبة أو رسالة، أو في مخاطبة
العوام والجار، أو في مخاطبة أهله وعبده وأمته، أو في حديثه إذا حدث أو
خبره إذا أخبر، وكذلك من الخطأ أن يجلب ألفاظ الأعراب وألفاظ العوام وهو في صناعة الكلام داخل، ولكل مقام مقال ولكل صناعة شكل" اهـ.
على أننا لا نستقصي القول في هذه الجهة، فإن موقع النية أن نتكلم في
"تمصير اللغة" وإنما أفضينا إلى الكلام من هذه الناحية إذ كانت هي سبيلنا إليه، فإن القائلين بهذا الرأي والغالين فيه والمكابرين عليه إنما يدعون به الإصلاح
ويذهبون إلى أنه خير ما ينتهي إليه الصواب من رأي وخير ما يمكن لهم في
جانب تلك الغاية، فإنهم زعموا يريدون الإصلاح من أقرب السبيل، ويطلبون الحاجة الراهنة والمنفعة الدانية؛ وقد رأوا سواد الأمة عاميًّا فلا بأس أن يكون من هذا السواد ظل في اللغة أو على اللغة أو قريبًا من اللغة، وفاتهم أن من دون هذا السبيل سبلًا أخرى هي أقرب في منحاهم وأدنى إلى غايتهم لو كانوا يرمون إلى تعليم الأمة وإلى الغاية من هذا التعليم، فإن الزمن الذي تعرب فيه الكتب أو تمصر ثم تطبع وتنشر ثم تقرأ وتدرس لا يذهب باطلًا إذا هو ذهب في تعليم لغة أجنبية من لغات العلوم ثم إلقاء هذه العلوم بها، ويكون في ذلك أن الأمة تستفيد العلوم والفنون محققة وتربح معها فضلًا كبيرًا، وأن تربح إلى لغتها لغة أخرى برمتها وتجمع إليها آدابها وفوائدها، وهذا ما لا يتيسر بعضه إذا مصرنا العربية لتلك الغاية التي زعموا وما يطلبون بها من الكفاية والإصلاح.
وقد أخذت بهذا الرأي جمهورية الصين الحديثة، فإنها فرضت اللغة
الإنجليزية على كل من يطلب علمًا أو صناعة، حرصًا على الوقت أن تضيع به الترجمة والطبع والدرس، وتفاديًا مما تدخله الترجمة على مصطلحات العلوم
والفنون من الضيم في الشرح والتعيين وتحديد الدلالة ونحوها مما ليس منه بد
في النقل بين اللغات المتباينة لغة إلى لغة.
على أنه إن يكن في رأي التمصير خير فليس يقوم خيره بشؤمه، وهب أن
أمرًا من ذلك كائن، وأننا أجرينا التراكيب العامية في الفصيح، وأقحمنها مفردات القوم في اللغة، ومكنا للعامة على ما يتوهمون من مقاليد الكلام وأتبعناه مَقادتهم، فما جداء ذلك عنهم وماذا يرد على الأمة، ونحن نعلم أن جمهورها إذا احتاجوا إلى كتب في العلم فإنما هي كتب ألف باء تاء. . .
قبل كتب المصطلحات العلمية والفنية!
وإنه لعجيب أن نبدًا بالتربية من آخرها، وإن نجيء إلى حال من الضعف
1 / 48