يجب الرجوع عنه والتوبة منه.
واعلم أن ما جاء من الآثار التي فيها تخويف ووعيد فإنما هو في حق قضاة الجور العلماء أو الجهال الذين يزجون بأنفسهم في هذا المنصب بغير علم، وأما قولهم: «من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين»، فهو بمعنى المجاهدة للنفس وهو دليل على فضيلة من قضى بالحق إذ جعله ذبيح الحق»، وقوله: تجب التوبة منه صحيح؛ لأنه يجر إلى تنقص رسول الله ﷺ؛ إذ كان القضاء من تصرفاته وتصرفات خلفائه المتأسين به في سنته، وبه يعلم سر ما أخرجه الإمام ﵀ في هذا الكتاب تحت ترجمة الترغيب في القضاء بالحق حديث: «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع» لينبه على أن رسول الله ﷺ كان قاضيًا بين الناس، ثم كان القضاء من شأن الخلفاء الراشدين، فلما آلت الخلافة إلى من لم يكن لهم من العلم بالسنة مكانة تخولهم السلامة من الخطأ غالبًا آل ذلك إلى إسنادهم هذه الولاية إلى أحد العلماء المسَلَّم لهم العلم والعدل ليأمنوا يوم القيامة حمل حسابهم، أما إن بعدت الأقطار فإن من السنة إرسال القضاة تخفيفًا من مشقة المتداعين وسرعة بإنفاذ الحق المبين، استقضى رسول الله ﷺ معاذًا باليمن، وأول من استقضى بالمصر من الخلفاء علي ﵁ استقضى شريحًا بالكوفة أيام شغلته الخوارج بحروبها.
«مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي أَنْ هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة».
أبو الدرداء هو عويمر بن عامر الخزرجي أحد الثلاثة الذين نزلوا دمشق من الصحابة مع بلال ومعاوية، توفي سنة (٣١ هـ) ولي قضاء القدس في خلافة عثمان وأمير الشام يومئذٍ معاوية، وقيل بل ولاه عمر، قال رسول الله ﷺ: «حكيم أمتي أبو الدرداء»، وسلمان هو سلمان الفارسي من رامهرمز.
قال في الاستيعاب: شهد له رسول الله ﷺ بالحكمة في قوله: «لو كان الدين أو العلم بالثريا لناله سلمان» وفي رواية: «رجل من فارس» والمراد به سلمان، توفي سنة (٣٥ هـ)، شهد وقعة الأحزاب وهو الذي أشار أن تحصن المدينة بخندق يحيط
1 / 65