رسول الله ﷺ، وإنما أكثر الأحاديث رواة لا يعدُو أن يكون من المستفيض كما تقرر في أصول الفقه، من أجل ذلك لا تجد علماء أصول الدين مشتغلين بهذه المسألة إلا أنك تجد في بعض كتبهم ما يشير إليها في أثناء الكلام على مسائل الإمامة التي ألحقوها بمسائل أصول الدين وما هي منها، كما قال إمام الحرمين في الإرشاد؛ لأن مسائل الإمامة قد اختلفت في معظمها فرق المسلمين، وكان خلافهم فيها سببًا في تفسيق بعضهم بعضًا، وتكفير بعضهم بعضًا، فأشبهت الخلاف في أصل الاعتقاد الموجب لا مشاق الحسام، والتهمة بالخروج عن دائرة الإسلام، كما فعل الحرورية والأزارقة في قولهم: «لا حكم إلا لله».
وإذا تقصينا أقوال المثبتين للمهدي وجدناها ترجع إلى مذهبين:
أحدهما وهو الأشهر، مذهب الأمامية يقول: بأن المهدي الذي يخرج في آخر الزمان هو موجود من قبل وهو مختفٍ، وهذا المذهب قد تصدَّى أصحابنا إلى رده بما لخصه النسفي في عقيدة أهل السنة؛ إذ قال: «ثم ينبغي أن يكون الإمام ظاهرًا لا مختفيًا ولا منتظرًا»، قال التفتازاني في شرحه: «وأنت خبير بأن اختفاء الإمام يساوي عدمه في عدم حصول الأغراض المطلوبة من وجود الإمام، وأن خوفه من الأعداء لا يوجب الاختفاء بحيث لا يوجد منه إلا الاسم، بل غاية الأمر أن يوجب إخفاء دعوى الإمامة كما كان آباؤه الذين كانوا ظاهرين في الناس ولا يدعون الإمامة» ا. هـ.
المذهب الثاني مذهب القائلين بخروج المهدي آخر الزمان من غير دعوى أنه موجود الآن ولا أنه مختفٍ، وهذا قد قال به بعض أهل السنة وبعض الصوفية استنادًا للآثار المروية دون تمحيص؛ وذلك مما لصق بهم من أقوال الرافضة والأمامية حين اختلط العلم، وليس اعتقادهم ذلك بشيء عظيم؛ إذ رضوه لأنفسهم فإن اعتقاد مجيئه واعتقاد عدم مجيئه سواء.
فإن قال قائل: يترتب على تحقيق أمره عمل إسلامي وهو وجوب اتباعه عند ظهوره.
قلت: لهذه النزعة اختلف المختلفون وهم في غفلتهم يعمهون؛ فإن سِمَاتِ الإمام الذي يجب اتباعه لا يتوسمها المتوسمون بملامح وجهه ولا باسمه واسم أبيه، ولا بخفق أعلامه ولا بأفق ظهوره؛ فإن جميع ذلك يمكن تلبيسه وادعاؤه باطلًا كما
1 / 51