Tahqiq Al-Wisal Bayn Al-Qalb Wal-Qur'an
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
Издатель
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
Место издания
القاهرة
Жанры
القرآن مخرجنا:
فإذا كان القرآن قد صنع الجيل الأول، فإنه قادر بإذن الله أن يصنع أجيالًا ربانية جديدة، وأن يخرج الأمة - بإذن الله- من أزمتها، ويعيد لها مكانتها.
وليس هذا الكلام من قبيل الأماني والأحلام بل هو حقيقة أكدها التاريخ، وأخبرنا بها رسول الله ﷺ، ففي حديث حذيفة بن اليمان حين أخبره رسول الله ﷺ بما سيحدث من اختلاف وفرقة بعده. قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله فما تأمرني إن أدركت ذلك، قال: «تعلَّم كتاب الله ﷿، واعمل به فهو المخرج من ذلك».
قال حذيفة: فأعدت عليه ثلاثًا، فقال ﷺ ثلاثًا: «تعلَّم كتاب الله ﷿ واعمل به فهو النجاة» (١).
وخطب ﷺ في مرجعه من حجة الوداع فقال: «إنما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأُجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدين ومن أخطأه ضل» (٢)
وعندما حدثت فتنة مقتل عثمان بن عفان ﵁ ذهب عبد الرحمن بن أبزى إلى أُبي بن كعب ﵁ ليسأله: أبا المنذر ما المخرج؟ قال: كتاب الله، ما استبان لك فاعمل به وانتفع، وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه (٣).
وفي الحديث الذي رواه الحارث الأعور قال: دخلت المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على على ﵁ فقلت: يا أمير المؤمنين، أما ترى الناس يخوضون في الأحاديث؟ فقال: فقد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: أما إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنها ستكون فتن» قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله تعالى، فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل .. الحديث» (٤).
أين السنة؟!
وليس معنى القول بأن القرآن هو المخرج التقليل من شأن السنة النبوية، بل العكس فالقرب الحقيقي من القرآن سيزيدنا حبًا للسنة، ويعيننا على العمل بما تدل عليه.
فالسنة تشرح القرآن وتبين ما أُجمل فيه ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤].
وليس أدل على أهمية التمسك بالسنة مع القرآن من قوله ﷺ: «تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما: كتاب الله، وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علىَّ الحوض» (٥).
مع الأخذ في الاعتبار أن القرآن ينفرد بإعجازه ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨].
فالقرآن الكريم أعظم معجزة نزلت من السماء، والسر الأعظم لإعجازه يكمن في قوة تأثيره على القلوب، فإن كانت المعجزات السابقة حِسِّية تشاهد بالأبصار، فإن معجزة القرآن تشاهد بالبصائر، ويشعر بها كل من يتعرض لها.
نعم، هناك أوجه إعجاز متعددة للقرآن (الإعجاز البياني والإعجاز التشريعي والإعجاز الغيبي والعلمي) إلا أن سر إعجازه الأعظم - كما يقول الإمام الخطابي - هو: «صنيعه بالقلوب، وتأثيره في النفوس.
فإنك لا تسمع كلاما - غير القرآن - منظورًا أو منثورًا إذا قرع السمع خلص منه إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه.
ويستطرد الخطابي قائلًا:
_________
(١) رواه أبو داود، والنسائي، والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) رواه مسلم (٦١٧٧).
(٣) مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي ص ١٧٤.
(٤) رواه الترمذي والدارمي وغيرهما، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (١٧٧٦).
(٥) صحيح، رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع ح (٢٩٣٧).
1 / 8