8

مسألة [في التمييز بين الحق والباطل بالأدلة الأربعة]

يقال: بأي شيء يعرف الحق من الباطل ويميز بينهما؟

قلنا: بالأدلة.

فإن قال: فما الأدلة؟

قلنا: أربعة: العقول، والكتاب، والسنة، والإجماع.

فأما العقل فلأنه تعالى خاطب العقلاء واحتج عليهم بما في عقولهم ولأن به نميز بين الحسن والقبيح، وبه نعرف جميع الإستدلاليات.

ويقال لمن أبطل أدلة العقول: ناقضت بدعواك مذهبك؛ لأنك فزعت في إبطال أدلة العقول إلى العقل فإما أن تصححه فتبطل طريقتك، وإما أن تبطله فيبطل استدلالك وتصح أدلة العقول.

ويقال له: بأي شيء يصح أن تعرف كل الأشياء، أتعرف بالعقل أو بالسمع؟ فإن قال: بالعقل، بطل مذهبه، وإن قال: بالسمع.

قلنا: فمذهبك غير منصوص عليه في السمع، وليس في السمع إبطال ما سوى السمع.

وأما الكتاب فلأنه كلام حكيم صادق لا يجوز عليه الكذب فكان حجة.

فإن قيل: بأي شيء عرفتم أنه كلام الله تعالى؟

قلنا: لنا فيه طريقان:

إحداهما: أنا عرفنا بالسبر أنه غير مقدور للبشر فنعلم أنه كلام الله تعالى.

والثاني: بالمعجز عرفنا صدق الرسول وعلم من دينه ضرورة أنه كلام الله تعالى.

فإن قيل: أليس روي أن فيه زيادة ونقصانا؟

قلنا: باطل، فإنه أدي إلينا كما أنزل، وضمن الله تعالى حفظه، وبعد فلو كان شيء زائد ثم نقص لما خفي.

فإن قيل: أليس بعضهم قال فيه ما لا يعرف معناه، وبعضهم قال ظاهر وباطن؟

قلنا: كله باطل، وغرض الحكيم بإنزاله الإفهام، فإن أراد ما وضع له حمل عليه وإن أراد غيره أو كان مجملا أو متشابها بين ونصب الأدلة على مراده.

Страница 32