الْكتاب، وَمن عَلمها ووقَف على مذاهبها، وفهمَ مَا تأوَّله أهل التَّفْسِير فِيهَا، زَالَت عَنهُ الشُّبَه الدَّاخِلَة على مَن جَهِل لسانَها من ذَوي الْأَهْوَاء والبِدع.
وكتابي هَذَا، وَإِن لم يكن جَامعا لمعاني التَّنْزِيل وألفاظ السّنَن كلّها، فَإِنَّهُ يَحُوز جملا من فوائدها، ونُكتًا من غريبها ومعانيها، غير خَارج فِيهَا عَن مَذَاهِب المفسِّرين، ومسالك الْأَئِمَّة المأمونين، من أهل الْعلم وأعلام اللغويّين، المعروفين بالمعرفة الثاقبة والدّين والاستقامة.
وَقد دَعَاني إِلَى مَا جمعتُ فِي هَذَا الْكتاب من لُغَات الْعَرَب وألفاظها، واستقصيتُ فِي تتبُّعٍ مَا حصَّلت مِنْهَا، والاستشهاد بشواهد أشعارها الْمَعْرُوفَة لفصحاء شعرائها، الَّتِي احتجَّ بهَا أهل الْمعرفَة المؤتمنون عَلَيْهَا، خلالٌ ثلاثٌ:
مِنْهَا تَقْيِيد نكتٍ حفظتُها ووعيتُها عَن أَفْوَاه الْعَرَب الَّذين شاهدتهم وأقمت بَين ظهرانيهم سنيَّات، إِذْ كَانَ مَا أثبتَه كثيرٌ من أئمةِ أهل اللُّغَة فِي الْكتب الَّتِي ألّفوها، والنوادر الَّتِي جمعوها لَا ينوبُ منابَ الْمُشَاهدَة، وَلَا يقوم مقَام الدُّربة وَالْعَادَة.
وَمِنْهَا النَّصِيحَة الْوَاجِبَة على أهل الْعلم لجَماعَة الْمُسلمين فِي إفادتهم مَا لعلَّهم يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. وَقد روينَا عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: (أَلا إِن الدينَ النَّصِيحَة لله ولكتابه ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم) .
والخلة الثَّالِثَة هِيَ الَّتِي أَكثر الْقَصْد: أَنِّي قَرَأت كتبا تصدَّى مؤلفوها لتَحْصِيل لُغَات الْعَرَب فِيهَا، مثل كتاب (الْعين) الْمَنْسُوب إِلَى الْخَلِيل، ثمَّ كتب من احتذى حَذْوَه فِي عصرنا هَذَا. وَقد أخلَّ بهَا مَا أَنا ذاكره من دَخَلها وعَوارها بعقب ذكرى الأئمةِ المتقنين وعلماء اللُّغَة المأمونين على مَا دوّنوه من الْكتب وأفادوا، وحصَّلوا من اللُّغَات الصَّحِيحَة الَّتِي روَوها عَن الْعَرَب، واستخرجوها من دواوين الشُّعَرَاء المعروفين وحفظوها عَن فصحاء الْأَعْرَاب.
وألفيت طلاب هَذَا الشَّأْن من أَبنَاء زَمَاننَا لَا يعْرفُونَ من آفَات الْكتب المصحَّفة المدخولة مَا عرفتُه، وَلَا يميزون صحيحها من سقيمها كَمَا ميزتُه. وَكَانَ من النَّصِيحَة الَّتِي التزمتُها توخِّيًا للمثوبة من الله عَلَيْهَا، أَن أنصحَ عَن لُغَة الْعَرَب ولسانها العربيّ الَّذِي نزل بِهِ الْكتاب، وَجَاءَت السّنَن والْآثَار، وَأَن أهذّبها بجهدي غَايَة التَّهْذِيب، وأدلَّ على التَّصْحِيف الْوَاقِع فِي كتب المتحاذقين، والمُعْوِر من التَّفْسِير المزال عَن وَجهه، لِئَلَّا يغترّ بِهِ من يجهله، وَلَا يعتمده من لَا يعرفهُ.
وَكنت منذُ تعاطيتُ هَذَا الفنَّ فِي حداثتي إِلَى أَن بلغتُ السّبْعين، مُولَعا بالبحث
1 / 7