Тафсир суры Ан-Нур
تفسير سورة النور
Жанры
تفسير قوله تعالى: (لاتحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم)
يقول الله ﵎: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًَّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النور:١١]: (لا تَحْسَبُوهُ): من الحسبان وهو الظن، وحسبان الإنسان: ظنه، ولذلك يقال: لم يَدُر هذا بخَلَدي ولا بحسباني، أي ما ظننت أن هذا قد يقع، أو قد يحصل.
وقوله: (لا تَحْسَبُوهُ): أي لا تظنوه.
(شَرًَّا لَكُمْ): الشر: هو الذي غلب ضرره على نفعه، والخير: هو الذي غلب نفعه على ضرره، وليس هناك خير محض ولا شر محض إلا في الجنة والنار، فالجنة هي الخير المحض، والنار هي الشر المحض، وأما أمور الدنيا فهي ما بين غالب الشر وغالب الخير، وليس هناك محض الشر فيها ولا محض الخير، كما بينه العلماء ﵏.
وقوله ﷾: (بَلْ هُوَ خَيْرٌ) أي: أن الله ﵎ ابتلاكم بهذا البلاء وله في ذلك من الحكم ما لا يعلمه إلا هو ﷾، وأنكم قد تستكبرون وقوع الإفك في حق عرض النبي ﵌ وأهل بيته؛ ولكن الله ﵎ أراد الخير بذلك كله.
ومن هنا يتبيَّن أن العبرة في الأمور بعواقبها، وأن الإنسان قد يرى شيئًا يظنه خيرًا فيأتيه الشر من حيث يحسب ويظن أن يأتيه الخير، وقد يرى الشيء فيظنه شرًا فيأتيه الخير من حيث يظن أن يأتيه الشر، وصدق الله ﷿ إذ يقول: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء:١٩]، وكم من أمور نظر الإنسان إليها في بدايتها على أنها بلاء وشر؛ ولكن الله ﵎ جعل له حسن العاقبة والمآل فيها، ولذلك كان من الدعاء المأثور: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة)، أي: اجعل لنا عواقب الأمور كلها خيرًا، فالعبرة في الأمور بعواقبها، والعبرة في الأحوال بخواتمها، فمن كانت خاتمته على الخير والسلامة فلا يضره ما مضى في الشيء الذي يئول إلى الخير من التعب والنصب، ولذلك أهل الجنة في الدنيا يكابدون الأشجان والأحزان والبلايا، وهي شر من ناحية الظاهر، ولكن عاقبة ذلك البلاء وذلك العناء رضوانٌ لا سخط بعده ورحمةٌ لا عذاب بعدها، فيهون على المؤمن ما يعلمه من حسن العاقبة.
فالشاهد: أن العبرة في الأمور بعواقبها، وكأن الله ﷿ ينبه المؤمن في هذه الآية أن لا يعجل في الحكم على القضاء والقدر، وأن عليه التسليم والرضا بما كتب له الله ﷿ علَّ الله أن يحسن له العاقبة.
يقول تعالى: ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًَّا لَكُمْ﴾ [النور:١١]: أي لا تحسبوا -يا معشر المؤمنين- أن الله يريد بكم السوء والضرر؛ ولكن الله يريد بكم الخير في الدين والدنيا والآخرة، وقد كان ذلك.
فحادثة الإفك، جعل الله ﷿ فيها درسًا لعباده المؤمنين، وهو درس يُسَلِّي كلَّ امرأة فُتِنَت في عرضها، فتكلم الناس فيها واتهموها زورًا وبهتانًا، إذا ذكرت ما وقع لأم المؤمنين ﵂ وأرضاها، تسلت وتعزت، وكان لها في ذلك من السلوان خير كثير، فهذا من الخير الذي جعله الله في حادثة الإفك.
وفيها من الخير أنها مدرسة لعباد الله المؤمنين أن يتحفظوا في نقل الشائعات، وألا يعتنوا بنقل الروايات دون تثبت، خاصة إذا اشتملت تلك الروايات والشائعات على طعنٍ في عبد من عباد الله، فعلى المسلم أن يتقي الله ﷿ في إخوانه.
فهذه الحادثة هذبت ألسنة المؤمنين، وأدبت عباد الله المتقين، ودلتهم على ما ينبغي أن يكونوا عليه من سنن الدين، ومراعاة أعراض عباد الله المسلمين.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النور:١١]: المراد بهذا الخير لأهل الإيمان، وأما من كان على النفاق كـ عبد الله بن أبي بن سلول فإنه شر وبلاء عليه في الدنيا والآخرة، وهكذا من تكلم من المؤمنين في عرضها، فهو شر عليه في الدنيا؛ لأنه أُقيم عليه الحد، وفي الآخرة إذا لم يتب.
4 / 5