112

Тафсир аль-Мизан

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Жанры

тафсир

قوله تعالى: "وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" إلخ، هذه قصة بقرة بني إسرائيل، وبها سميت السورة سورة البقرة.

والأمر في بيان القرآن لهذه القصة عجيب فإن القصة فصل بعضها عن بعض حيث قال تعالى: "وإذ قال موسى لقومه إلى آخره" ثم قال: "وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها" ثم إنه أخرج فصلا منها من وسطها وقدم أولا ووضع صدر القصة وذيلها ثانيا، ثم إن الكلام كان مع بني إسرائيل في الآيات السابقة بنحو الخطاب فانتقل بالالتفات إلى الغيبة حيث قال: وإذ قال موسى لقومه ثم التفت إلى الخطاب ثانيا بقوله: وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها.

أما الالتفات في قوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، ففيه صرف الخطاب عن بني إسرائيل، وتوجيهه إلى النبي في شطر من القصة وهو أمر ذبح البقرة وتوصيفها ليكون كالمقدمة الموضحة للخطاب الذي سيخاطب به بنو إسرائيل بقوله: وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون، فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون، الآيتان في سلك الخطابات السابقة فهذه الآيات الخمس من قوله: وإذ قال موسى إلى قوله: وما كادوا يفعلون، كالمعترضة في الكلام تبين معنى الخطاب التالي مع ما فيها من الدلالة على سوء أدبهم وإيذائهم لرسولهم، برميه بفضول القول ولغو الكلام، مع ما فيه من تعنتهم وتشديدهم وإصرارهم في الاستيضاح والاستفهام المستلزم لنسبة الإبهام إلى الأوامر الإلهية وبيانات الأنبياء مع ما في كلامهم من شوب الإهانة والاستخفاف الظاهر بمقام الربوبية فانظر إلى قول موسى (عليه السلام) لهم: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، وقولهم: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي، وقولهم ثانيا: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها، وقولهم ثالثا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا، فأتوا في الجميع بلفظ ربك من غير أن يقولوا ربنا ثم كرروا قولهم: ما هي وقالوا إن البقر تشابه علينا فادعوا التشابه بعد البيان، ولم يقولوا: إن البقرة تشابهت علينا بل قالوا: إن البقر تشابه علينا كأنهم يدعون أن جنس البقر متشابه ولا يؤثر هذا الأثر إلا بعض أفراد هذا النوع وهذا المقدار من البيان لا يجزي في تعيين الفرد المطلوب وتشخيصه، مع أن التأثير لله عز اسمه لا للبقرة، وقد أمرهم أن يذبحوا بقرة فأطلق القول ولم يقيده بقيد، وكان لهم أن يأخذوا بإطلاقه، ثم انظر إلى قولهم لنبيهم: أتتخذنا هزوا، المتضمن لرميه (عليه السلام) بالجهالة واللغو حتى نفاه عن نفسه بقوله: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وقولهم أخيرا بعد تمام البيان الإلهي: الآن جئت بالحق، الدال على نفي الحق عن البيانات السابقة المستلزم لنسبة الباطل إلى طرز البيان الإلهي والتبليغ النبوي.

وبالجملة فتقديم هذا الشطر من القصة لإبانة الأمر في الخطاب التالي كما ذكر مضافا إلى نكتة أخرى، وهي أن قصة البقرة غير مذكورة في التوراة الموجودة عند اليهود اليوم فكان من الحري أن لا يخاطبوا بهذه القصة أصلا أو يخاطبوا به بعد بيان ما لعبت به أيديهم من التحريف، فأعرض عن خطابهم أولا بتوجيه الخطاب إلى النبي ثم بعد تثبيت الأصل، عاد إلى ما جرى عليه الكلام من خطابهم المتسلسل، نعم في هذا المورد من التوراة حكم لا يخلو عن دلالة ما على وقوع القصة وهاك عبارة التوراة.

Страница 113