Тафсир Баян ас-Саада
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Жанры
اعلم ان الانسان خلق محتاجا فى بقائه واستكماله فى ذاته وصفاته ومعرضا لما يفنى ذاته وكمالاته الحاصلة ولما يمنعه عن الوصول الى كمالاته المترقبة له فاحتاج الى ما يجذب اليه ما يحتاج اليه فى بقائه واستكماله، والى ما يدفع عنه ما يفنيه ويمنعه عن كماله وكانت سنة الله ان يجرى الاشياء بالاسباب فخلق تعالى فيه قوة شوقية خادمة للشهوية والغضبية الخادمتين للمدركة المنشعبة الى قوى عديدة باعثة على الحركة مستخدمة للقوة المحركة المودعة فى الاعصاب المستخدمة للاعصاب والرباطات وبتوسطها للاعضاء فتجذب بسبب الاعضاء وحكم القوة الشهوية ما يلائمة وتدفع بسبب الاعضاء والقوة الغضبية ما يضره؛ هذا بحسب مقام جسمه، وأما بحسب مقام روحه فله ما ينفعه وما يضره واصل النافعات الملك الزاجر الموكل عليه من الله، واصل الضارات الشيطان المغوى الموكل عليه فجعل الله تعالى له حكمة نظرية يبصر بها ببصيرته تصرف الملك وزجره، وتصرف الشيطان واغوائه، وحكمة عملية تخدم القوتين اللتين بهما الحب فى الله والبغض فى الله بازاء الشهوية والغضبية وهما تخدمان الحكمة النظرية، ولما جعل العالم الصغير نسخة موجزة عن الكبير وحاكية عما فى الكبير والتكليف مطابقا للتكوين كان فى الكبير لا محالة قوة جاذبة لنافع الانسان وقوة رادعة لضاره سواء كانت تلك القوتان فى شخص واحد او فى شخصين، والولى هو الذى يكون مربيا بجذب ما ينفع المولى عليه فى بقاء ذاته وحصول كمالاته، والنصير هو الذى يكون دافعا عنه ما يضره وبوجه آخر الولى من يكون داخلا فى ملكه، والنصير من يكون خارجا حاميا، والقوة الشهوية والقوة المورثة للحب فى الله فى الداخل كالولى فى الخارج، والقوة الغضبية والقوة الموجبة للبغض فى الله كالنصير، وكل رسول بولايته ولى لأمته وبرسالته نصير؛ وهكذا كان حال الاوصياء فانهم كانوا بولايتهم اولياء وبخلافتهم أنصارا وكل رسول فى زمانه كان وليا وخليفته نصيرا فان الرسول (ص) فى زمانه مرب وخليفته حام فمحمد (ص) فى حياته كان اماما ناطقا بشيرا وليا هاديا مربيا رحيما، وعلى (ع) اماما صامتا منذرا نصيرا حاميا قتالا؛ ولذا قال (ص):
" أنا وعلى أبوا هذه الامة، وقوله (ص): أنا المنذر وعلى الهاد "
؛ اشارة الى حيثية رسالته وولاية على (ع)؛ انما انت منذر باعتبار شأن الرسالة، ولكل قوم هاد: باعتبار شأن الولاية، ولاقتضاء تعدد العنوان تعدد المظهر كانت الدعوة فى الاغلب بتظاهر نفسين احداهما مظهر عنوان الولى والاخرى مظهر عنوان النصير.
[2.108]
{ أم تريدون } ام معادلة لهمزة { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } ، و { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض }؛ تأكيد له او بدل عنه بدلا تفصيليا والاتيان بخطاب الجمع فى قوله { وما لكم } و { تريدون } يدل على ان الخطاب فى الم تعلم لمحمد (ص) والمقصود هو وامته اختص بالخطاب لكونه أشرف وأصلا، او الخطاب لغير معين حتى يفيد العموم البدلى ويوافق المعاد لان فى المسند اليه والمعنى الم تعلموا أن الله على كل شيء قدير الم تعلموا ان الله مالك الكل والمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء، ام تعلمون ذلك وتريدون { أن تسألوا رسولكم } وتحاجوه عالمين عامدين { كما سئل موسى من قبل } فأخذت السائلين الصاعقة فأهلكوا وفيه تهديد لهم بمثل العقوبة التى عوقبت بها أصحاب موسى (ع) حيث قالوا:
لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
[البقرة: 55] { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } بعد العلم الذى من شأنه ان يكون صاحبه مقرا مؤمنا او بعد جواب الرسول له ان ما سأله لا يصلح اقتراحه، او بعد ما أظهره الله له ما اقترح، او بعد ما شاهد آيات الرسول والجملة حال او عطف على جملة ما ننسخ من آية { فقد ضل سوآء السبيل } يعنى ان الآخذ للكفر بعد ما ذكر كأنه كان على السبيل المستوى وضل عنه ولذا استعمل التبدل الذى يشعر بأنه كان على الايمان او مشرفا على الايمان فتركه وأخذ الكفر.
[2.109]
{ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا } بالقاء الشبهات وتحريف الكلمات وتعيير الضعفاء وتثريب المعجزات.
اعلم انه كل من اختار سيرة حقة او باطلة يود أن يكون الناس كلهم على سيرته وهذا أمر مفطور عليه للانسان بل لكل شيء من الملائكة والجنة والشياطين والعناصر والمواليد فان كان الانسان واقفا فى جهنام النفس والحسد من جنودها ولا ينفك عنها كان حسده ايضا باعثا عليه، وان كان من أرباب القلوب كان رحمته باعثة عليه أيضا ولذا أضاف اليه قوله تعالى { حسدا } مفعول له او حال { من عند أنفسهم } يعنى ودوا ذلك من حسدهم ومن اقتضاء فطرتهم على ان يكون الظرف متعلقا بقوله تعالى { ود } ، او المعنى ودوا من حسد حاصل لهم من أنفسهم الخبيثة من دون سبب آخر على ان يكون ظرفا مستقرا صفة لحسدا { من بعد ما تبين لهم الحق } بالدلائل المعلومة لهم من كتبهم وأخبارهم وبالمعجزات المشهودة لهم من محمد (ص) { فاعفوا واصفحوا } الفاء سببية كأنه قال: هذه الفعلة صارت سببا للامر بالعفو والصفح فكأنه جزاء او هو جزاء حقيقة لشرط مقدر تقديره هكذا: ان فعلوا ذلك فاعفوا، والعفو ترك الانتقام من الجانى، والصفح تطهير القلب من حقده، وكأنهما كالفقراء والمساكين؛ اذا افترقا يجوز ان يراد بكل مجموع المعنيين، واذا اجتمعا يراد بكل معناه المذكور، والمقصود الأمر بترك مقابلة حسدهم وتثريبهم بالحسد والتثريب وتطهير القلب من الحقد عليهم، فان مقابلة الجهال بمثل جهلهم يستلزم تنزل الانسان الى مقامهم وصيرورته مثلهم وازدياد جهلهم وعنادهم، واللبييب لا يرضى التماثل معهم ولا ازدياد الجهل والعناد من العباد، والحقد على الكافر والمؤمن يمنع القلب عن التوجه الى امور الآخرة ويذهب براحة القلب ويأكل ما اكتسبه من الخيرات ويمنع عن النصح المطلوب من كل أحد والترحم المأمور به، ويوجب الاضلال المنهى عنه على ان تثريب العباد والحقد عليهم يرجع الى تثريب صنع الله، وتثريب الصنع تثريب للصانع { حتى يأتي الله بأمره } فيهم بالقتل يوم فتح مكة كما فى تفسير الامام، او بالهداية لهم، او بضرب الجزية عليهم، او بالقتل والأسر والاجلاء فيهم { إن الله على كل شيء قدير } فيقدر على ذلك كله.
Неизвестная страница