Тафсир Бахр Мухит
البحر المحيط في التفسير
Редактор
صدقي محمد جميل
Издатель
دار الفكر
Издание
١٤٢٠ هـ
Место издания
بيروت
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، فَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنَّهُ قَدْ يُوصَفُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، كَبَيْتِ زُهَيْرٍ. وَقَالَ تَعَالَى: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «١»، وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ «٢» . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، أُسْتَاذُ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ: إِطْلَاقُ اسْمِ الْخَالِقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَالتَّسْوِيَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْفِكْرِ وَالظَّنِّ وَالْحُسْبَانِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ. وَكَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْخَلْقَ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَكَلَامُ الْبَصْرِيِّ مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ «٣»، إِذْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ اسم الخالق على الله، وَفِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ. وَعَطَفَ قوله: وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي خَلَقَكُمْ، وَالْمَعْطُوفُ مُتَقَدِّمٌ فِي الزَّمَانِ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَبَدَأَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الزَّمَانِ، لِأَنَّ عِلْمَ الْإِنْسَانِ بِأَحْوَالِ نَفْسِهِ أَظْهَرُ مِنْ عِلْمِهِ بِأَحْوَالِ غَيْرِهِ، إِذْ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَلِأَنَّهُمُ الْمُوَاجَهُونَ بِالْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ، فَتَنْبِيهُهُمْ أَوَّلًا عَلَى أَحْوَالِ أَنْفُسِهِمْ آكَدُ وَأَهَمُّ، وَبَدَأَ أَوَّلًا بِصِفَةِ الْخَلْقِ، إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ مُقِرَّةٌ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهَا، وَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ، وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ، إِذْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِمْ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ: وَخَلَقَ مَنْ قَبْلَكُمْ، جَعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِفَتْحِ مِيمِ مِنْ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهِيَ قِرَاءَةٌ مُشْكِلَةٌ وَوَجْهُهَا عَلَى إِشْكَالِهَا أَنْ يُقَالَ: أَقْحَمَ الْمَوْصُولَ الثَّانِيَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَصِلَتِهِ تَأْكِيدًا، كَمَا أَقْحَمَ جَرِيرٌ فِي قَوْلِهِ:
يَا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لَا أَبَا لَكُمُ تَيْمًا الثَّانِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَكَإِقْحَامِهِمْ لَامَ الْإِضَافَةِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ فِي لَا أَبَا لَكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ الَّذِي خَرَّجَ الزَّمَخْشَرِيُّ قِرَاءَةُ زَيْدٍ عَلَيْهِ هُوَ مَذْهَبٌ لِبَعْضِ النَّحْوِيِّينَ زَعَمَ أَنَّكَ إِذَا أَتَيْتَ بَعْدَ الْمَوْصُولِ بِمَوْصُولٍ آخَرَ فِي مَعْنَاهُ مُؤَكِّدٍ لَهُ، لَمْ يَحْتَجِ الْمَوْصُولُ الثَّانِي إِلَى صِلَةٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ:
مِنَ النَّفَرِ اللَّائِي الَّذِينَ أَذَاهُمُ ... يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ الْبَابِ قَعْقَعُوا
(١) سورة المؤمنون: ٢٣/ ١٤.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ١١٠.
(٣) سورة الحشر: ٥٩/ ٢٤.
1 / 154