139

Тафсир Бахр Мухит

البحر المحيط في التفسير

Редактор

صدقي محمد جميل

Издатель

دار الفكر

Номер издания

١٤٢٠ هـ

Место издания

بيروت

هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ، ويَكادُ الْبَرْقُ «١»، وَهُمَا مِنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ هَذَا التَّمْثِيلَ مِنَ التَّمِثِيلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ، وَهُوَ الَّذِي تُشَبَّهُ فِيهِ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آحَادُ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ شَبِيهَةٌ بِآحَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهَ حَيْرَةِ الْمُنَافِقِينَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِحَيْرَةِ مَنِ انْطَفَأَتْ نَارُهُ بَعْدَ إِيقَادِهَا، وَبِحَيْرَةِ مَنْ أَخَذَتْهُ السَّمَاءُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ مَعَ رَعْدٍ وَبَرْقٍ. وَهَذَا الَّذِي سَبَقَ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَقَالُوا أَيْضًا: يَكُونُ مِنَ التَّشْبِيهِ الْمُفَرَّقِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَثَلُ مُرَكَّبًا مِنْ أُمُورٍ، وَالْمُمَثَّلُ يَكُونُ مُرَكَّبًا أَيْضًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَثَلِ مُشْبِهٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُمَثَّلِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلَانِ مِنْ جَعْلِ هَذَا الْمَثَلِ مِنَ التَّمْثِيلِ الْمُفَرَّقِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الصَّيِّبَ مَثَلٌ لِلْإِسْلَامِ وَالظُّلُمَاتِ، مَثَلٌ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ وَالرَّعْدُ وَالْبَرْقُ، مَثَلَانِ لِمَا يُخَوَّفُونَ بِهِ.
وَالرَّابِعُ: الْبَرْقُ مَثَلٌ لِلْإِسْلَامِ وَالظُّلُمَاتُ، مَثَلٌ لِلْفِتْنَةِ وَالْبَلَاءِ. وَالْخَامِسُ: الصَّيِّبُ: الْغَيْثُ الَّذِي فِيهِ الْحَيَاةُ مَثَلٌ لِلْإِسْلَامِ وَالظُّلُمَاتُ، مَثَلٌ لِإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ وَمَا فِيهِ مِنْ إِبِطَانِ الْكُفْرِ، وَالرَّعْدُ مَثَلٌ لما في الإسلام من حَقْنِ الدِّمَاءِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالْمُسْلِمِينَ في المناكحة والموازنة، وَالْبَرْقُ وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ مَثَلٌ لِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الزَّجْرِ بِالْعِقَابِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَيُرْوَى مَعْنَى هَذَا عَنِ الْحَسَنِ. وَالسَّادِسُ: أَنَّ الصَّيِّبَ وَالظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدَ وَالْبَرْقَ وَالصَّوَاعِقَ كَانَتْ حَقِيقَةً أَصَابَتْ بَعْضَ الْيَهُودِ، فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا بِقِصَّتِهِمْ لِبَقِيَّتِهِمْ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. السَّابِعُ: أَنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ الَّذِي أَصَابَ الْمُنَافِقِينَ، فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَوَلَدُهُمُ الْغِلْمَانُ، أَوْ أَصَابُوا غَنِيمَةً أَوْ فَتْحًا قَالُوا: دِينُ مُحَمَّدٍ صِدْقٌ، فَاسْتَقَامُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا هَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَصَابَهُمُ الْبَلَاءُ قَالُوا: هَذَا مِنْ أَجْلِ دِينِ مُحَمَّدٍ، فَارْتَدُّوا كُفَّارًا. الثَّامِنُ: أَنَّهُ مَثَّلَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالنِّعْمَةِ وَالْبَلَاءِ بِالصَّيِّبِ الَّذِي يَجْمَعُ نَفْعًا بِإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ وَإِنْبَاتِهِ النَّبَاتَ وَإِحْيَاءِ كُلِّ دَابَّةٍ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لِلتَّطْهِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَضَرًّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْإِغْرَاقِ وَالْإِشْرَاقِ، وَمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالصَّوَاعِقِ بِالْإِرْعَادِ وَالْإِبْرَاقِ، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ يَدْفَعُ آجِلًا بِطَلَبِ عَاجِلِ النَّفْعِ، فَيَبِيعُ آخِرَتَهُ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ بِالدُّنْيَا الَّتِي صَفُّوهَا كَدِرٌ وَمَآلُهُ بَعْدُ إِلَى سَقَرَ. التَّاسِعُ: أَنَّهُ مَثَلٌ لِلْقِيَامَةِ لِمَا يَخَافُونَهُ مِنْ وَعِيدِ الْآخِرَةِ لِشَكِّهِمْ فِي دِينِهِمْ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَرْقِ، بِمَا فِي إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَمَثَّلَ مَا فِيهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ بِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الزَّوَاجِرِ بِالْعِقَابِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ. الْعَاشِرُ: ضَرْبُ الصَّيِّبِ مَثَلٌ لِمَا أظهر المنافقون

(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٠.

1 / 142