هذه هي خلاصة أدلة الفريقين: عرضناها باختصار، وسبب الخلاف في الحقيقة يرجع إلى اختلاف العلماء في فهم الآية، فالحنفية يقولون: إن صدر الآية مكتف بنفسه، وقد تم الكلام عند قوله: { كتب عليكم القصاص في القتلى } وسائر الأئمة يقولون: لا يتم الكلام ههنا، وإنما يتم عند قوله: { والأنثى بالأنثى } فهو تفسير له وتتميم لمعناه، والآية وردت لبيان التنويع والتقسيم.
وقد اعترض الحنفية على الجمهور بأنه ينبغي ألا يقتل الرجل إذا قتل أنثى؟ وكذلك العبد إذا قتل حرا؟ مع أنهم يقولون أنه يقتل العبد بالحر، والرجل بالمرأة!!
أجاب الجمهور: بأن ظاهر الآية يفيد ألا يقتل العبد بالحر، ولكننا نظرنا إلى المعنى فرأينا أن العبد يقتل بالعبد، فأولى أن يقتل بالحر، وأما قتل الرجل بالمرأة فذلك ثابت بالإجماع، وهو دليل آخر خصص الآية الكريمة ولولا الإجماع لقلنا لا يقتل الذكر بالأنثى.
يقول فضيلة الشيخ السايس في كتابه " تفسير آيات الأحكام " ما نصه:
" والعقل يميل إلى تأييد قول أبي حنيفة في هذه المسألة، لأن هذا التنويع والتقسيم الذي جعله الشافعية والمالكية بمثابة بيان (المساواة) المعتبرة، قد أخرجوا منه طردا وعكسا الأنثى بالرجل، فذهبوا إلى أن الرجل يقتل بالأنثى، والأنثى تقتل بالرجل، وذهبوا إلى أن الحر لا يقتل بالعبد، ولكنهم أجازوا قتل العبد بالحر، فهذا كله يضعف مسلكهم في الآية. أما مسلك أبي حنيفة فيها فليس فيه هذا الضعف، وحينئذ يكون العبد مساويا للحر، ويكون المسلم مساويا للذمي في الحرمة، محقون الدم على التأييد ".
الترجيح:
أقول: مذهب أبي حنيفة في قتل الحر بالعبد معقول المعنى، مؤيد " من قتل عبده قتلناه... " فالإسلام قد ساوى بين الأحرار والعبيد في الدماء، فحرمة العبد كحرمة الحر، ونفس العبد كنفس الحر، ولهذا يقتل به.
أما قتل المؤمن بالكافر: ففي النفس من قول أبي حنيفة شيء، والراجح فيه رأي الجمهور لا سيما بعد أن تأكد بالدليل الثابت
" لا يقتل مسلم بكافر "
أخرجه البخاري.
Неизвестная страница