Тафсир имён Аллаха аль-Хусна Са'ди
تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي
Исследователь
عبيد بن علي العبيد
Издатель
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Номер издания
العدد ١١٢-السنة ٣٣
Год публикации
١٤٢١هـ
Жанры
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣٤.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار.
اعلم - وفقني الله وإياك - أنّ الله أمر المؤمنين بالإيمان به في غير موضع
_________
١ آل عمران (١٠٢).
٢ النساء (١).
٣ الأحزاب (٧٠،٧١).
٤ هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يعلمها أصحابه، وأخرج الحديث أبو داود في سننه (٢/ ٥٩١) كتاب النكاح باب خطبة النكاح، والنسائي (٦/ ٨٩) كتاب النكاح باب مايستحب من الكلام عند النكاح، وابن ماجه في سننه (١/ ٦٠٩) كتاب النكاح باب في خطبة النكاح، والترمذي وحسنه (٣/ ٤٠٤) كتاب النكاح باب ماجاء في خطبة النكاح، وقد توسع الألباني في تخريج الحديث في رسالته خطبة الحاجة.
1 / 147
في كتابه، فقال ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ١.
وإنّ من أهم مايتضمنّه الإيمان بالله تعالى -الذي هو أول أركان الإيمان- التعرف عليه سبحانه بأسمائه وصفاته معرفة تثمر الخشية والعمل بآثارها على منهاج أهل السنة والجماعة.
وإن مما يبين أهمّيّة موضوع أسماء الله الحسنى أمورًا كثيرة منها:
١ - إنّ العلم بالله، وأسمائه، وصفاته أشرف العلوم، وأجلها على الإطلاق لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه، وتعالى بأسمائه، وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب٢.
٢ - إن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته، وخشيته، وخوفه، ورجائه، ومراقبته، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه في معانيها.
٣ - إن معرفة الله ﷾ بأسمائه الحسني مما يزيد الإيمان كما قال الشيّخ ابن سعدي ﵀: "أنّ الإيمان بأسماء الله الحسنى، ومعرفتها يتضمّن أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبيّة، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء، والصفات، وهذه الأنواع هي رَوح الإيمان وروحه٣، وأصله وغايته فكلّما ازداد العبد معرفة بأسماء الله، وصفاته ازداد إيمانه، وقوي يقينه٤.
_________
١ النساء (١٣٦).
٢ درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ٢٧،٢٨) والفتوى الحموية له ضمن مجموع الفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (٥/ ٦) واعلام الموقعين لابن القيم (١/ ٤٩) وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان السعدي (١/ ٢٤).
٣ الرَوّح: الفرح. انظر: لسان العرب (٢/ ٤٥٩).
٤ التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي (ص٤١).
1 / 148
أهم أسباب اختيار الموضوع:
١ - عظم أمر الإيمان بأسماء الله الحسنى إذ إن معرفتها هو أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها. وذلك لشرف متعلقها، وعظمته، ووجوب معرفته تعالى كما وصف نفسه ووصفه نبيه ﷺ كما سبق.
٢ - ندرة الكتابة في هذا الموضوع على منهج سلف الأمة.
٣ - لما يتّسم به شرح الأسماء الحسنى للسّعديّ من شمول، ودقة في الفهم على منهج سلف الأمة، مع غوص في بيان المعاني الإيمانيّة للأسماء الحسنى، وبيان آثار الإيمان بها، قلّ أن تجده عند غيره رحمه الله تعالى.
٤ - من خلال مطالعتي لتفسير السعدي ﵀، وجدته عقد فصلًا في شرح الأسماء الحسنى بعد تفسيره لسورة النحل.
ووجدت في نفسي رغبة في إخراجه، وطباعته مستقلًا عن التفسير لتعمّ الفائدة ويسهل حصوله لمريده، حيث إن موضعه في التفسير ليس مظنّة لقاصده، وبعد العزم، والتصميم على ذلك، استشرت بعض المشايخ، والزملاء، فوجدت منهم استحسانًا للأمر، وأشاروا عليَّ بأن أزيد على هذا الفصل كل ما يتعلق بشرح الأسماء الحسنى من كتب الشيخ عبد الرحمن السّعديّ ﵀ وجمعها، وترتيبها، وإخراجها.
وكان ممن له أثر كبير في ذلك الأخ الدكتور/ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد وفقه الله تعالى، حيث أتحفني بفهرس لمواطن الأسماء الحسنى من كتب ابن سعدي رحمه الله تعالى فجزاه الله خير الجزاء.
ولهذه الأسباب وغيرها رغبت في إخراج هذا المجموع، والله الهادي لسواء السبيل.
1 / 149
خطة البحث:
وتشتمل على مقدمة وقسمين:
المقدمة: وذكرت فيها:
١ - أهمية الموضوع.
٢ - أسباب اختيار الموضوع.
٣ - خطة البحث.
٤ - منهجي في البحث.
القسم الأول: الدراسة وتشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: ترجمة موجزة للشيّخ عبد الرحمن السعدي ﵀.
المبحث الثاني: منهج الشيخ ابن السعدي - رحمه الله تعالى - في الأسماء الحسنى.
المبحث الثالث: أسماء الله تعالى توقيفية.
المبحث الرابع: حديث لله تسعة وتسعون اسما والكلام عليه.
القسم الثاني: عرض شرح أسماء الله الحسنى للسعدي جمعًا ودراسة.
منهجي في البحث:
أولًا: جمع المادة العلمية من كتب الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀ وهى من الكتب الآتية:
١ - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
٢ - تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، وقد أشرت إليه في العزو باسم الخلاصة.
٣ - توضيح الكافية الشافية.
٤ - الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
٥ - المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
1 / 150
٦ - بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار.
٧ - مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.
ثانيًا: النظر فيما قاله عن كل اسم من أسماء الله الحسنى، وتأليفه، وترتيبه، وحذف ما تكرر منه.
ثالثًا: ترتيب الأسماء الحسنى حسب حروف الهجاء مع ترقيمها ترقيمًا تسلسليًا ثم عرض ما قاله الشيخ عن الاسم وجعله بين علامتي تنصيص.
رابعًا: الاستدلال للاسم الذي لم يستدل له الشيخ من الكتاب أو السنة إن وجد، وأجعله في الحاشية.
خامسًا: أعلق على ما يحتاج إلى تعليق.
سادسًا: عزو الآيات إلى سورها وأرقامها.
سابعًا: تخريج الأحاديث.
ثامنًا: جعلت في خاتمة البحث ملخّصًا يبيّن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.
تاسعًا: وضع الفهارس اللازمة للبحث.
هذا وإن الحمد لله تعالى على التمام، وله الشكر على كل حال أحمده سبحانه أن يسر لي إخراج هذا المجموع عسى الله أن ينفع به جامعه، وقارئه، وكل من سمعه.
كما أسأله سبحانه أن يكون هذا العمل متقبلًا عنده وسائر أعمالي إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 151
القسم الأول: الدراسة وتشتمل على:
المبحث الأول
ترجمة موجزة عن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله١
أولًا: اسمه ونسبه:
هو الشيخ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي، من بني تميم.
ثانيًا: مولده:
ولد في عنيزة في القصيم في الثاني عشر من محرم سنة ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.
ثالثًا: نشأته:
نشأ الشيخ يتيمًا فقد توفيت أمه وله أربع سنين، وتوفى والده وله سبع سنين، ولكنه نشأ نشأة صالحة وقد أثار الإعجاب فقد اشتهر منذ حداثته بفطنته، وذكائه، ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله، فحفظ القرآن عن ظهر قلب وعمره أحد عشر سنة ثم اشتغل بالعلم على يد علماء بلده فاجتهد في طلب العلم وجَدّ فيه وسهر الليالي وواصل الأيام حتى نال الحظ الأوفر من
_________
١ انظر مصادر هذه الترجمة في:
١ - روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوداث السنين للشيخ محمد بن عثمان القاضي (١/ ٢١٩).
٢ - علماء نجد خلال ثمان قرون للشيخ عبد الله البسام (٣/ ٢١٨).
٣ - مشاهير علماء نجد وغيرهم للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص٢٥٦).
٤ - مقدمة كتاب الرياض الناضرة لابن سعدي بقلم أحد تلاميذ الشيخ.
٥ - الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة، رسالة ماجستير إعداد د/عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد (من ص١٣ إلى ٦١).
1 / 152
كل فن من فنون العلم ولما بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يَتَعلم ويُعلِّم.
رابعًا: نبذة من أخلاقه:
كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة، متواضعًا للصغير، والكبير، والغني، والفقير، وكان يقضي بعض وقته بالاجتماع بمن يرغب حضوره فيكون مجلسهم مجلسًا علميًا حيث إنه يحرص على أن يحتوي على البحوث العلمية، والاجتماعية، ويحصل لأهل المجلس فوائد عظمى من هذه البحوث، وكان يتكلم مع كل فرد بما يناسبه، وكان ذا شفقة على الفقراء، والمساكين، والغرباء مادًّا يد المساعدة لهم بحسب قدرته، ويستعطف لهم المحسنين ممن يُعْرف عنهم حب الخير في المناسبات.
وكان على جانب كبير من الأدب، والعفّة، والنّزاهة، والحزم في كل أعماله، وكان من أحسن الناس تعليمًا، وأبلغهم تفهيمًا.
خامسًا: مكانته العلميّة:
كان ﵀ ذا معرفة فائقة في الفقه وأصوله، وكان أول أمره متمسكًا بالمذهب الحنبليّ تبعًا لمشايخه، وحفظ بعض المتون من ذلك.
وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وحصل له خير كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد، والتفسير، ولغته، وغيرها من العلوم النافعة. وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي، بل يرجح ما تَرَجّح عنده بالدليل الشرعي، ولا يطعن في علماء المذاهب. وله مكانة مرموقة في علم التفسير إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيه وألف تفسيرًا جليلًا، في ثمان مجلدات، فسره بالبديهية من غير أن يكون عنده وقت لتصنيف كتاب تفسير ولا غيره.
دائمًا يقرأ تلاميذه في القرآن الكريم ويفسره ارتجالًا، ويستطرد، ويبين
1 / 153
من معاني القرآن، وفوائده، ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة، حتى أن سامعه يودّ أن لا يسكت، لفصاحته، وجزالة لفظه، وتوسعه في سياق الأدلة، والقصص، ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف مكانته العلمية، وكذلك من قرأ مصنفاته وفتاويه.
سادسًا: مصنفاته:
كان رحمه الله تعالى ذا عناية بالغة بالتأليف فشارك في كثير من فنون العلم فألّف في التوحيد، والتفسير، والفقه، والحديث، والأصول، والآداب، وغيرها، وأغلب مؤلفاته مطبوعة إلا اليسير منها، وإليك سرد لهذه المؤلفات:
١ - الأدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.
٢ - الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
٣ - انتصار الحق.
٤ - بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخيار.
٥ - التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد الإعراب.
٦ - توضيح الكافية الشافية.
٧ - التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
٨ - التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة.
٩ - تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله.
١٠ - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
١١ - تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن.
١٢ - الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي.
١٣ - الجهاد في سبيل الله، أو واجب المسلمين وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية.
1 / 154
١٤ - الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
١٥ - حكم شرب الدخان.
١٦ - الخطب المنبرية على المناسبات.
١٧ - الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية.
١٨ - الدرة المختصرة في معان دين الإسلام.
١٩ - الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي.
٢٠ - الدين الصحيح يحل جميع المشاكل.
٢١ - رسالة في القواعد الفقهية.
٢٢ - رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة.
٢٣ - الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.
٢٤ - سؤال وجواب في أهم المهمات.
٢٥ - طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.
٢٦ - الفتاوى السعدية.
٢٧ - فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد.
٢٨ - فوائد مستنبطة من قصة يوسف.
٢٩ - الفواكه الشهية في الخطب المنبرية.
٣٠ - القواعد الحسان لتفسير القرآن.
٣١ - القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.
1 / 155
٣٢ - القول السديد في مقاصد التوحيد.
٣٣ - مجموع الخطب في المواضيع النافعة.
٣٤ - مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.
٣٥ - المختارات الجلية من المسائل الفقهية.
٣٦ - المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
٣٧ - منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.
٣٨ - المناظرات الفقهية.
٣٩ - منظومة في أحكام الفقه.
٤٠ - منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة.
٤١ - وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني وبيان كليات من براهين الدين.
٤٢ - الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
٤٣ - يأجوج ومأجوج. طبع دار لينا، مصر، دمنهور، الطبعة الأولى ١٤١٨هـ.
سابعًا: وبعد عمر دام تسعًا وستين سنة قضاها في التعلم والتعليم والتأليف وخدمة الأمة الإسلامية وافاه الأجل المحتوم فتوفى سنة ١٣٧٦هـ في مدينة عنيزة من بلاد القصيم ﵀ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
1 / 156
المبحث الثاني:
منهج الشيخ ابن السعدي ﵀ في الأسماء الحسنى
من خلال مطالعتي، وجمعي للأسماء الحسنى للسعدي ﵀ تبين لي من منهجه ما يأتي:
أولًا: بالنسبة لمنهجه في الأسماء الحسنى فإن السعدي ﵀ لم يتقيّد بمن سبقه ممن ألف في الأسماء الحسنى. لأنني وجدت بعض الأسماء التي أوردها لا توجد في هذه الكتب فأحيانًا يزيد عليها، وأحيانًا ينقص عنها في بعض الأسماء.
كما أنه لم يعتمد على حديث أبي هريرة في سرد الأسماء الحسنى فمثلًا أورد اسم الله تعالى «الستار» وهذا الاسم لم يرد في حديث أبي هريرة ولا في أي رواية من رواياته الواردة، والله أعلم.
فقد يكون ﵀ اعتمد على ما ظهر له أنها أسماء الله تعالى من نصوص الكتاب، والسنة، والله أعلم.
ثانيًا: من الأمور الذي تميز بها هذا المجموع ما ظهر لي من منهج الشيخ - رحمه الله تعالى - من العناية، والاهتمام بقواعد الأسماء، والصفات كما يتبين ذلك من خلال إيراده لهذه القواعد في هذا المجموع ومن ذلك:
القاعدة الأولى: أسماء الله كلها حسنى١.
القاعدة الثانية: الإيمان بأسماء الله، وصفاته، وأحكام الصفات٢.
القاعدة الثالثة: دلالة الأسماء على الذات، والصفات تكون بالمطابقة، والتضمن، والالتزام٣.
_________
١ انظر ص١٩.
٢ انظر ص٥٥.
٣ انظر ص٥٦.
1 / 157
القاعدة الرابعة: من أسماء الله ما يرد مفردًا، ومنها ما يرد مقرونًا مع غيره لأن الكمال الحقيقي من اجتماعهما١.
ثالثًا: من منهج الشيخ ﵀ أنه أدخل في الأسماء الحسنى الأسماء المضافة مثل «بديع السموات والأرض» و«ذو الجلال والإكرام» و«الفعال لما يريد» وغيرها.
وكذلك ما أخذ بطريق الإشتقاق ولم أقف على نص ينص على تسميته لله مثل «الستار» و«الهادي» و«الرشيد» وغيرها. وقد بينت في الدراسة ما ترجّح لي في الأسماء المضافة، والاشتقاق٢.
رابعًا: اتسم منهج الشّيخ - رحمه الله تعالى - لشرحه أسماء الله الحسنى ببيان المعنى الظاهر للاسم مع الغوص في بيان المعاني الإيمانية للأسماء الحسنى، وبيان آثار الإيمان بها.
وهذه السمة مما ميّزت شرحه على كثير من شروح الأسماء الحسنى مع إغفاله للأوجه اللغوية للاسم، وهذا ظاهر في أغلب الأسماء التي شرحها رحمه الله تعالى.
_________
١ انظر: ص٦٨.
٢ انظر ص١٥.
1 / 158
المبحث الثالث: أسماء الله تعالى توقيفية
مذهب جمهور أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يجوز تسميته سبحانه بما لم يرد به السمع.
وذلك أن أسماء الله تعالى من الأمور الغيبية التي لا يمكن لنا معرفة شيء منها إلا عن طريق الرسل الذين يطلعهم الله على ما يشاء من الغيب ثم هم يبلغونه للناس فلا يجوز القياس فيها أو الإجتهاد لأن هذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد.
قال أبو إسحاق الزجاج: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه"١.
وقال أبو إسحاق القشيري٢: "الأسماء تؤخذ توقيفيًا من الكتاب، والسنة، والإجماع، فكل اسم ورد فيهما وجب اطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه".
وقال أبو سليمان الخطابي: "ومن علم هذا الباب؛ أعني الأسماء، والصفات، ومما يدخل في أحكامه، ويتعلق به من شرائط أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس، فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر، وضع اللغة، ومتعارف الكلام، فالجواد: لا يجوز أن يقاس عليه السخي، وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام، وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد، ثم إن السخاوة موضوعة في باب الرخاوة واللين، يقال: أرض سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة، وكذلك لا يقاس عليه السمح لما يدخل السماحة من معنى اللين، والسهولة.
_________
١ انظر معاني القرآن وإعرابه ٢/ ٣٩٢.
٢ الفتح (١١/ ١٢٣) والمنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (ص ٣٨).
1 / 159
وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك جاد السحاب إذا أمطر فأغزر، وفرس جواد إذا بذل ما في وسعه من الجري.
وقد جاء في الأسماء القوى، ولا يقاس عليه الجلد، وإن كان يتقاربان في نعوت الأدميين لأن باب التجلد يدخله التكلف، والإجتهاد.
ولا يقاس على القادر المطيق، ولا المستطيع لأن الطاقة، والاستطاعة إنما تطلقان على معنى قوة البنية، وتركيب الخلقة.
وفي أسمائه العليم، ومن صفته العلم فلا يجوز قياسًا عليه أن يسمى عارفًا لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل.
وهذا الباب يجب أن يراعى، ولا يغفل فإن عائدته عظيمة، والجهل به ضار، وبالله التوفيق. اهـ١.
وقال السفاريني في نظمه للعقيدة:
لكنها في الحق توقيفية ... لنا بذا أدلة وفية
ثم شرح البيت فقال:
لكنها: أي الأسماء الحسنى، في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص الشرع، وورود السمع بها.
ومما يجب أن يُعلم أنّ علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى، والصفات العلى على الباري جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه. اهـ٢.
_________
١ شأن الدعاء (ص١١١ - ١١٢).
٢ لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية (١/ ١٢٤).
1 / 160
فالحق أن: أسماء الله تعالى توقيفية؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بما جاء عن الله وعن رسوله ﷺ.
فلا مجال للقياس، وإعمال العقل فيها إثباتًا أو نفيًا لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء لقوله ﷺ: "لا نحصى ثناءًا عليك أنت كما أثنيت على نفسك" ١.
فإذا تبين أنّ أسماء الله تعالى توقيفية فلا يجوز أن يشتق من الفعل أو من الصفة اسمًا لله تعالى.
فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء٢.
وما ورد مقيدًا أو مضافًا من الأسماء في القرآن أو السنة فلا يكون اسمًا بهذا الورد مثل اسم (المنتقم) فلم يرد إلا مقيدًا في قوله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ ٣.
وما ورد مضافًا مثل: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ٤.
فلا يؤخذ هذا الاسم من هذا الورود المضاف لكن يؤخذ من آيات أُخر.
وإذا ورد في الكتاب، والسنة اسم فاعل يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل فهذا لا يكون من الأسماء الحسنى لأن الأسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل على الذات، ولا تدل على معنى خاص مثل مجرى السحاب، هازم الأحزاب، الزارع، الذاري٥.
_________
١ أخرجه مسلم في صحيحه (١/ ٣٥٢) كتاب الصلاة باب مايقال في الركوع والسجود.
٢ انظر مدارج السالكين لابن القيم (٣/ ٤١٥) والقواعد المثلى لابن عثيمين (ص٢١).
٣ السجدة (٢٢).
٤ الرعد (٩).
٥ انظر رسالة أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوي (٨/ ١٩٦) ومعارج القبول للحكمي (١/ ٧٢، ٧٣) وشرح القواعد المثلى =لابن عثيمين شريط (٢) وجه (١) وكتاب أسماء الله الحسنى للغصن (ص١٣٦).
1 / 161
المبحث الرابع: حديث "لله تسعة وتسعون اسمًا"
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لله تسعة وتسعون اسمًا مائة إلا واحدة لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر"
وفي رواية: "من أحصاها١ دخل الجنة" وهذا الحديث متفق على صحته٢.
وقد وردت روايات أخرى للحديث بطرق أخرى مختلفة تزيد على الحديث السابق بذكر أسماء من أسماء الله تعالى، والحديث ورد بثلاث طرق عند الترمذي٣ وابن ماجه٤ والحاكم٥٦، وهذه الطرق ضعفت من جهة الإسناد، ومن جهة المتن كما بينه جمع من العلماء، والمحققين، وإليك أقوالهم.
قال البيهقي ﵀ في حديثه عن رواية عبد العزيز بن الحصين: يحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة، وكذلك في حديث الوليد ابن
_________
١ اختلف العلماء في بيان المراد بالإحصاء على أقوال أظهرها والله أعلم ما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد ١/ ١٦٤ حيث قال: «واحصاؤها مراتب: المرتبة الأولى: احصاء الفاظها وعدها. والثانية: فهم معانيها ومدلولها. والثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ الأعراف آية (١٨٠). وهو مرتبان: احدها: دعاء ثناء وعبادة. والثانية: «دعاء طلب ومسألة» أ. هـ. وهذا اختيار ابن سعدي ﵀. انظر الحق الواضح المبين ص٢٢، ولمزيد بيان لهذه المسألة انظر فتح الباري ١١/ ٢٢٦، والنهج الأسمى ١/ ٤٦.
٢ صحيح البخاري (٧/ ١٦٩) كتاب الدعوات، باب لله ﷿ مائة اسم غير واحد. ومسلم (٤/ ٢٠٦٢و ٢٠٦٣) كتاب الذكر، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.
٣ سنن الترمذي (ح ٣٥٧٤).
٤ سنن ابن ماجه (ح ٣٨٦١).
٥ مستدرك الحاكم (١/ ١٧).
٦ وقد جمع هذه الطرق وبين أقوال أهل العلم عليها وحكم عليها الشيخ/ محمد بن حمد الحمود في كتابه النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (١/ ٥٠) وكذلك الشيخ/ عبد الله بن صالح الغصن في كتابه أسماء الله الحسنى (ص ١٥٥).
1 / 162
مسلم١.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "قد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين - يعني روايتي الترمذي من طريق الوليد وابن ماجه من طريق عبد الملك بن محمد - ليستا من كلام النبي ﷺ وإنما كل منهما من كلام بعض السلف"٢.
وقال أيضًا: أن التسعة والتسعين اسمًا لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي ﷺ، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث وفيها حديث ثان أضعف من هذا، رواه ابن ماجه، وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف٣.
وقال ابن كثير ﵀: "الذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث - أي حديث الوليد عند الترمذي - مدرج فيه وإنما ذلك كما رواه الوليد بن سلم، وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك أي أنهم جمعوها من القرآن ... "٤.
وقال ابن حجر ﵀: "والتحقيق إنّ سردها إدراج من الرواة"٥.
ونقل ابن حجر عن ابن عطية رحمهما الله قوله: "حديث الترمذي ليس بالمتواتر وبعض الأسماء التي فيه شذوذ"٦ والله أعلم.
_________
١ الأسماء والصفات للبيهقي (١/ ٣٢).
٢ مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية (٦/ ٣٧٩).
٣ المرجع السابق (٢٢/ ٤٨٢).
٤ تفسير القرآن العظيم (٣/ ٢٥٧).
٥ بلوغ المرام (ص٣٤٦) (ح ١٣٩٦).
٦ التلخيص الحبير (٤/ ١٩٠).
1 / 163
القسم الثاني: عرض شرح أسماء الله الحسنى للسعدي جمعا ودراسة
١ - الإله١:
قال رحمه الله تعالى:
"والإله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فقد دخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح إن الله أصله الإله وأن اسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى والله أعلم"٢.
٢ - الله٣: قال رحمه الله تعالى: "الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هى صفات الكمال٤، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده المحمود وحده المشكور وحده المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام٥. واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والله أعلم٦. فإذا تدبر اسم الله عرف أن الله تعالى له جميع معاني الألوهية، وهي كمال الصفات والإنفراد بها، وعدم الشريك في الأفعال لأن المألوه إنما يؤله لما _________ ١ ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ (النساء: ١٧١). ٢ الحق الواضح المبين (ص١٠٤). ٣ ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ (البقرة: ٢٥٥). ٤ التفسير (٥/ ٦٢٠). ٥ المرجع السابق (١/ ٣٣) الخلاصة (ص٨،٩) وبهجة قلوب الأبرار (ص١٦٥). ٦ الحق الواضح المبين (ص١٠٤).
٢ - الله٣: قال رحمه الله تعالى: "الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هى صفات الكمال٤، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده المحمود وحده المشكور وحده المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام٥. واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والله أعلم٦. فإذا تدبر اسم الله عرف أن الله تعالى له جميع معاني الألوهية، وهي كمال الصفات والإنفراد بها، وعدم الشريك في الأفعال لأن المألوه إنما يؤله لما _________ ١ ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ (النساء: ١٧١). ٢ الحق الواضح المبين (ص١٠٤). ٣ ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ (البقرة: ٢٥٥). ٤ التفسير (٥/ ٦٢٠). ٥ المرجع السابق (١/ ٣٣) الخلاصة (ص٨،٩) وبهجة قلوب الأبرار (ص١٦٥). ٦ الحق الواضح المبين (ص١٠٤).
1 / 164
قام به من صفات الكمال فيحب ويخضع له لأجلها، والباري ﷻ لا يفوته من صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه، أو يؤله أو بعبد لأجل نفعه وتوليه ونصره فيجلب النفع لمن عبده فيدفع عنه الضرر، ومن المعلوم أنَّ الله تعالى هو المالك لذلك كله، وأنَّ أحدًا من الخلق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورا فإذا تقرر عنده أنَّ الله وحده المألوه أوجب له أن يعلق بربه حبه وخوفه ورجاءه، وأناب إليه في كل أموره، وقطع الإلتفات إلى غيره من المخلوقين ممن ليس له من نفسه كمال ولا له فعال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم١.
وقد سئل الشيخ ﵀ عن الاسم الأعظم من أسماء الله هل هو اسم معين معروف أو اسم غير معين ولا معروف.
فأجاب: "بعض الناس يظن أن الاسم الأعظم من أسماء الله الحسنى لا يعرفه إلا من خصه الله بكرامة خارقة للعادة، وهذا ظن خطأ، فإن الله ﵎ حثنا على معرفة أسمائه وصفاته، وأثنى على من عرفها، وتفقه فيها، ودعاء الله بها دعاء عبادة وتعبد ودعا مسألة، ولا ريب أنّ الاسم الأعظم منها أولاها بهذا الأمر، فإنه تعالى هو الجواد المطلق الذي لا منتهى لجوده وكرمه، وهو يحب الجود على عباده، ومن أعظم ما جاد به عليهم تعرفه لهم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالصواب أنّ الأسماء الحسنى كلها حسنى، وكل واحد منها عظيم، ولكن الاسم الأعظم منها كل اسم مفرد أو مقرون مع غيره إذا دل على جميع صفاته الذاتية والفعلية أو دل على معاني جميع الصفات مثل:
الله، فإنه الاسم الجامع لمعاني الألوهية كلها، وهي جميع أوصاف الكمال،
_________
١ المواهب الربانية من الآيات القرآنية (ص٦٢).
1 / 165
ومثل الحميد المجيد، فإن الحميد الاسم الذي دل على جميع المحامد والكمالات لله تعالى، والمجيد الذي دل على أوصاف العظمة والجلال ويقرب من ذلك الجليل الجميل الغني الكريم.
ومثل الحي القيوم، فإن الحي من له الحياة الكاملة العظيمة الجامعة لجميع معاني الذات، والقيوم الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع خلقه، وقام بجميع الموجودات، فهو الاسم الذي تدخل فيه صفات الأفعال كلها.
ومثل اسمه العظيم الكبير الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وأسمائه وصفاته، وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه.
ومثل قولك: يا ذا الجلال والإكرام، فإن الجلال صفات العظمة، والكبرياء، والكمالات المتنوعة، والإكرام استحقاقه على عباده غاية الحب وغاية الذل وما أشبه ذلك.
فعلم بذلك أن الاسم الأعظم اسم جنس، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية والاشتقاق١، كما في السنن٢ أنه سمع رجلًا يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: "والذي نفسي بيده، لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى".
وكذلك الحديث الآخر حين دعا الرجل، فقال: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، ياحي! يا قيوم! فقال ﷺ: "والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه الأعظم
_________
١ وبهذا القول تجتمع الأدلة في بيان معنى اسم الله الأعظم، والله أعلم.
٢ أخرجه الترمذي (٣٤٧٥) وأبو داود (١٤٩٣) وابن ماجه (٣٨٥٧) وأخرجه النسائي (٣/ ٥٢) بلفظ مغاير، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ٣/ ١٦٣ ح (٢٧٦٣).
1 / 166