فإن قال قائلٌ: ألا يَرِدُ على هذا أننا نرى الرجلَ يعملُ ويكدحُ ويتَّجِرُ فيزيدُ مالُهُ؟
قلنا: لا يرِدُ؛ لأنَّ أَصْلَ عَمَلِه من عندِ اللهِ ﷿ هو الذي أَوْقَعَ في قلبِهِ النِّيَّةَ وأَقْدَرَهُ على العملِ، فهو من فَضْلِ اللهِ ﷿ هذا وَجْهٌ.
وجهٌ آخرُ أننا نجدُ بعضَ الناسِ يَكْدَحُ ويَتْعَبُ ويعملُ، ولكن لا يُوفَّقُ، كلما ضرب وجهًا ازداد خسرانًا وحينئذٍ ينتفي هذا الإيرادُ.
إذن فالبسطُ كلُّهُ من اللهِ ﷿؛ لا من أَصْلِهِ، ولا مما يتفرَّعُ عنه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الحذرُ من الترفِ وسَعةِ الرزقِ، وجْهُ ذلك أن الله تعالى أخبر بأن بَسْطَ الرزقِ سببٌ للبغْيِ، وهذا كقولِهِ تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلقِ: ٦ - ٧]، وأخبر النبيُّ ﷺ أن أَخْوَفَ ما يخافُ علينا ما يُفْتَحُ علينا من زَهْرَةِ الدنيا (^١)، فليحذرِ الإنسانُ ما يُبْسَطُ له من الرزقِ، فلعل شقاءه يكونُ بسببِه، نسألُ اللهَ السلامة والعافيَة.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: حكمةُ اللهِ ﵎ فيما يُنَزِّلُ من الرزقِ، لقولِهِ: ﴿وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ المشيئةِ للهِ ﵎ حتى فيما يَحْصُلُ للعبدِ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: الإشارةُ إلى أن توسيعَ الرزقِ لشخصٍ وتضييقَهُ لآخَرَ مبنيٌّ على خبرةٍ وعلمٍ؛ لقولِهِ: ﴿إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.
(^١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، رقم (٦٤٢٥)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (٢٩٦١)، من حديث عمرو بن عوف ﵁.