الآيتان (٣١، ٣٢)
* قَالَ اللهُ ﷿: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الرّوم: ٣١ - ٣٢].
* * *
قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿مُنِيبِينَ﴾ رَاجِعِينَ]، مِن (أنابَ يُنِيب)، إِذا رَجع، وقوْلُه تَعالَى: ﴿إِلَيْهِ﴾، يعْنِي إِلَى الله تَعالَى فِيما أَمَر بِه، ونَهى عنْه يعْنِي الرُّجوعَ مِن معْصِيَةِ الله إِلَى طاعتِهِ، وقبْلَ ذَلِك مِن الشّرْكِ إِلَى التَّوْحيدِ، هَذَا معْنَى الإِنابَةِ.
وقد أثنى الله ﷾ عَلَى المُنِيبِينَ علَيْه، كَما في قوْلِه تَعالَى: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص: ٢٤]، فالإِنابَةُ مِن أفْضَل الأَحْوَالِ لِلْعابِدِينَ؛ لأَنَّ المُنِيبَ إِلَى الله ﷾ دَائِمًا يذْكُر الله بقلْبِه، لأَنَّهُ يعْلَمُ أنَّه قدِ انْتَقل مِن معصِيَتِه إِلَى طاعَتِه، ومِنَ الإِشْراكِ بِه إِلَى توْحِيدِه؛ حتَّى يعْبُدَ الله كأنَّهُ يَراهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَراهُ فإِنَّ الله يَراهُ.
يقُولُ المُفَسِّر ﵀: [حَالٌ مِنْ فَاعِلِ (أَقِمْ)، وَمَا أُرِيدَ بِه: أَيْ أَقِيمُوا]، حالٌ مِن فاعلِ (أَقم) في قولِه تَعالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾، [وَمَا أُرِيدَ بِه] لأَنَّ المُفَسِّر ﵀ قالَ: [﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ أنْتَ ومَنْ تَبِعَك]، فتكُون ﴿مُنِيبِينَ﴾ حالًا مِنَ الفَاعِل ومَا تَبعه، وَهَذا مبْنِيٌّ عَلَى أنَّ الخطابَ في قوْلِه: (أَقِم) لِلرَّسولِ ﷺ شخصِيًّا، أما إِذا قُلْنا: إِنَّ المُرادَ بِه الأُمَّة خُوطِب بِها زَعِيمُها فَلا حاجَةَ إِلَى هَذا التقْدِير،