من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: التَّوْرِيَة فِي الكَلامِ، وَهُوَ أنْ يُظْهِرَ الْإِنْسَانُ شيئًا غيرَ ما يريدُ، فإن قولهم: ﴿أَهَكَذَا﴾ تَوْرِيَة؛ لِأَنَّ حقيقةَ الأَمْرِ أن العَرْش الَّذِي بين أيديهم هُوَ عرشها، فكَانَ مُقتضى الاسْتِفْهام أَنْ يَقُولُوا: (أهَذَا عرشُكِ؟) لكِن أتَوْا بصيغة التورية لإبعاد الأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ كونها عرشها قد تتسرَّع وتقول: لا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَبْعِد أن يَكُونَ العَرْش قد حَضَرَ فِي هَذِهِ المدَّة وعليه الحرسُ وعليه المغاليقُ، فقيل لها: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾.
الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ: أنَّ الجوابَ يَنبغي أنْ يَكُونَ مطابِقًا للسؤالِ؛ لِأَنَّهَا قالت: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ بالتشبيه ولم تقلْ: هو.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: ذكاءُ هَذِهِ المَرْأَةِ باحترازِها ممَّا يُخْشَى أنْ يَكُونَ خَطَأً؛ لِأَنَّهَا لو قالتْ: لا، فقد يَكُون هو، ولو قالتْ: نعم، فقد يَكُون غيره، فقالت: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ فاختارتْ هَذَا للسببينِ اللَّذَيْنِ ذكرناهما فِي التفسير.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ ينبغي للإِنْسَانِ أن يَتَحَدَّثَ بنعمةِ اللهِ تَعَالَى عليه؛ لِقَوْلِهِ: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ لِأَنَّ الصَّحيحَ أنَّ هَذِهِ الجملةَ من كلامِ سُلَيْمَان، وإن كَانَ بَعْضُهُم ذكرَ احتمالًا أَنَّهُ من كلامها، لكِن الصَّحيح أنَّهُ من كلامِ سُلَيْمَان، ولا يمكن أن يقالَ: إنَّ القائل هُوَ الله جَلَّ وَعَلَا، فاللهُ جَلَّ وَعَلَا لا يَصِفُ نفسَه بأنه مسلمٌ، ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ﴾ ولم يقل: وآتَيْنَا.
* * *