Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Ankabut
تفسير العثيمين: العنكبوت
Издатель
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣٦ هـ
Место издания
المملكة العربية السعودية
Жанры
وأما إذا قلنا: إن الهاءَ تعودُ إلى السَّفينةِ فذلك لأن اللَّه تعالى يقولُ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢]، أي: خَلَقْنا لهم مِن مِثلِ الفُلكِ المشْحونِ الذي نُجِّيَ به نوح ﴿مَا يَرْكَبُونَ﴾، فصار أوَّلَ من صَنعَ السُّفنَ نوحٌ، ثم أخذهَا الناسُ منه.
وتأمَّلِ الحكمةَ في قوله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣]، ولم يقل: حَملْناه على السَّفينةِ، تنْبيهًا على الموادِّ التي يُسمُّونها الموادَّ الخامَ في صُنعِ السفينة، وهي الألواحُ والدُّسُر، يعني: المسَاميرَ، فهي تُصنعُ من الألواحِ والمسَاميرِ حتى يَعرفَ الناسُ ذلك، وهذا هو الواقع، فإنَّ الناس عَرَفوهَا وتطورتِ الصنْعةُ إلى أن وصلتْ إلى ما وصلتْ إليه الآن.
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ بعضُ العُلماءِ يقول: ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ أي: السفينةَ عينَهَا، وأن أجزاءً من هذه السَّفينَةِ بَقي موجُودًا إلى أن أدْركَهُ آخِرُ الأمم، وهم أَوَّلُ هذه الأمَّةِ على الجُودِيِّ الذي ثَبتَتْ عليه، وهذا فيه نَظَرٌ.
والقولُ الثاني: أن الهاءَ في قولِهِ: ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ يعودُ على السفينةِ باعتبارِ الجِنسِ لا باعتبارِ الشَّخْصِ؛ لأن سفينةَ نُوحٍ ﵇ مرَّتْ عليها قُرونٌ عظيمة فتكَسَّرَتْ وأتْلَفتْها الرِّياحُ والشمسُ وذهبت، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا﴾ [الملك: ٥]، (جعلناها) أي: الشَّهُبَ التي تخرجُ من هذه المصَابِيحَ: ﴿رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾ [المؤمنون: ١٢]، أي: الإنسانَ باعتبارِ جِنْسِه، فالضَّميرُ يعودُ إلى الإنسانِ باعتبار الجنْسِ لا باعتبارِ الشَّخصِ؛ لأنَّ آدم ﵇ الذي خُلِق مِن سُلالةٍ من طِين ولم يكن في الأرحامِ نُطفةً في قرار مَكِينٍ.
فعلى هذا يكونُ قوله تعالى هنا: ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ فيه قولانِ لأهْلِ العِلم:
1 / 63