كلمة " كيف " في اللغة للسؤال عن الحال، والحق سبحانه وتعالى أوردها في هذه الآية الكريمة ليس بغرض الاستفهام، ولكن لطلب تفسير أمر عجيب ما كان يجب أن يحدث. وبعد كل ما رواه الحق سبحانه وتعالى في آيات سابقة من أدلة دامغة عن خلق السماوات والأرض وخلق الناس.. أدلة لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يخطئها.. فكيف بعد هذه الأدلة الواضحة تكفرون بالله؟.. كفركم لا حجة لكم فيه ولا منطق.. والسؤال يكون مرة للتوبيخ.. كأن تقول لرجل: كيف تسب أباك؟ أو للتعجب من شيء قد فعله وما كان يجب أن يفعله، وكلاهما متلاقيان، سواء أكان القصد التوبيخ أو التعجب، فالقصد واحد. فهذا ما كان يجب أن يحدث منك. ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بأدلة أخرى لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يكذب بها، فيقول جل جلاله: { وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم.. } [البقرة: 28]. وهكذا ينتقل الكلام إلى أصل الحياة والموت، فبعد أن بين الحق سبحانه وتعالى ماذا يفعل الكافرون والفاسقون والمنافقون من إفساد في الأرض.. وقطع لما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يوصل.. صعد الجدل إلى حديث عن الحياة والموت. وقوله تعالى " كنتم أمواتا فأحياكم " قضية لا تحتمل الجدل.. ربما استطاعوا المجادلة في مسألة عدم اتباع المنهج، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل. ولكن قضية الحياة والموت لا يمكن لأحد أن يجادل فيها، فالله سبحانه وتعالى خلقنا من عدم، ولم يدع أحد قط أنه خلق الناس أو خلق نفسه، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للناس إن الذي خلقكم هو الله.. لم يستطع أحد أن يكذبه ولن يستطيع.. ذلك أننا كنا فعلا غير موجودين في الدنيا، والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدنا وأعطانا الحياة. وقوله تعالى: " ثم يميتكم ".. فإن أحدا لا يشك في أنه سيموت.. الموت مقدر على الناس جميعا، والخلق من العدم واقع بالدليل، والموت واقع بالحس والمشاهدة. إن قضية الموت هي سبيلنا لمواجهة أي ملحد، فإن قالوا إن العقل كاف لإدارة الحياة، وأنه لا يوجد شيء اسمه غيب.. نقول: الذي يتحكم في الخلق إيجادا، هو الذي يتحكم فيه موتا.. والحياة الدنيا هي مرحلة بين قوسين: القوس الأول هو أن الله يخلقنا ويوجدنا.. وتمضي رحلة الحياة إلى القوس الثاني.. الذي تخمد فيه بشريتنا وتتوقف حياتنا، وهو الموت. أي: أننا في رحلة الحياة من الله وإليه. إذن: فحركة الحياة الدنيا هي بداية من الله بالخلق، ونهاية بالموت.
إنهم عندما تحدثوا عن أطفال الأنابيب، وهي عملية لعلاج العقم أكثر من أي شيء آخر، ولكنهم صوروها تصويرا جاهليا، وكل ما يحدث أنهم يأخذون بويضة من رحم الأم التي يكون المهبل عندها مسدودا، أو لا يسمح بالتلقيح الطبيعي.. يأخذون هذه البويضة من رحم الأم، ويخصبونها بالحيوانات المنوية للزوج، ثم يزرعونها في رحم الأم. إنهم أخذوا من خلق الله وهي بويضة الأم والحيوان المنوي من الرجل، وكل ما يفعلونه هو عملية التلقيح، ومع ذلك يسمونه أطفال الأنابيب.. كأن الأنبوبة يمكن أن تخلق طفلا!! والحقيقة غير ذلك، فبويضة الأم، والحيوان المنوي للرجل هما من خلق الله، وهم لم يخلقوا شيئا.. إننا نقول لهم: إذا كنتم تملكون الموت والحياة فامنعوا إنسانا واحدا أن يموت بدلا من إنفاق ألوف الجنيهات في معالجة عقم قد ينجح أو لا ينجح.. ابقوا واحدا على قيد الحياة.. ولن يستطيعوا. إن الموت أمر حسي مشاهد، ولذلك فمن رحمة الله بالعقل البشري بالنسبة للأحداث الغيبية أن الله سبحانه وتعالى قربها لنا بشيء مشاهد.. كيف؟ عندما ينظر الإنسان إلى نفسه وهو حي.. لا يعرف كيف أحياه الله وكيف خلقه.. الله سبحانه وتعالى ذكر لنا غيب الخلق في القرآن الكريم، فقال جل جلاله إنه خلق الإنسان من تراب ومن طين، ومن حمأ مسنون، ثم نفخ فيه من روحه.. واقرأ قول الحق سبحانه:
إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب..
[الحج: 5]. وقوله تعالى:
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين
[المؤمنون: 12]. وقوله تعالى:
إنا خلقناهم من طين لازب
[الصافات: 11]. وقوله تعالى:
ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون
[الحجر: 26]. وقوله تعالى:
Неизвестная страница