. أن نتحدث عن بعض الأمثال التي ضربت في القرآن الكريم، لنرى كيف أن الله سبحانه وتعالى حدثنا عن قضايا غيبية بمحسات دنيوية: ضرب الله - تبارك وتعالى - لنا مثلا بالقمة الإيمانية.. وهي أنه: لا إله إلا الله، وكيف أن هذه رحمة من الله سبحانه وتعالى يجب أن نسجد له شكرا عليها.. لأن فيها وقاية لنا من شقاء، ومع ذلك فإن الله تبارك وتعالى يريد بعباده الرحمة، ولكن بعض الناس يريد أن يشقي نفسه فيشرك بالله جل جلاله، وبدلا من أن يأخذ طريق الإيمان الميسر.. يأخذ طريق الكفر والنفاق والشرك بالله الذي يملك كل شيء في الدنيا والآخرة.. يقول الحق جل جلاله:
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركآء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون
[الزمر: 29]. بهذه الصورة المحسة التي نراها، ولا يختلف فيها اثنان.. يريد الله تبارك وتعالى أن يقرب إلى أذهاننا صورة العابد لله وحده، وصورة المشرك بالله، ويعطينا المثل في عبد مملوك لشركاء.. رجل مملوك لعشرة مثلا.. وليس هؤلاء الشركاء العشرة متفقين.. بل هم متشاكسون أي: أنهم مختلفون، ورجل آخر مملوك لسيد واحد.. أيهما يكون مستريحا يعيش في رحمة؟.. طبعا المملوك لسيد واحد في نعمة ورحمة.. لأنه يتبع أمرا واحدا ونهيا واحدا، ويطيع ربا واحدا، ويطلب رضا سيد واحد.. أما ذلك الذي يملكه شركاء حتى لو كانوا متفقين، سيكون لكل واحد منهم أمر ونهي.. ولكل واحد منهم طلب.. فما بالك إذا كانوا مختلفين؟ أحد الشركاء يقول له تعال.. والآخر يقول له لا تأت، وأحد الشركاء يأمره بأمر، والآخر يأمره بأمر مناقض، ويحتار أيهما يرضى وأيهما يغضب؟.. وهكذا تكون حياته شقاء وتناقضا. إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقرب لنا الصورة في قضية هي قمة اليقين، وهي الإيمان بالواحد الأحد.. يريدنا أن نلمس هذه الصورة، بمثل نراه ونشهده، وأن نرى فيض الله برحمته على عباده، ويمضي الحق سبحانه ليلفتنا إلى أن نفكر قليلا في مثل يضربه لنا في القرآن الكريم:
وضرب الله مثلا رجلين أحدهمآ أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم
[النحل: 76]. فالحق تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة، يطلب منا أن نفكر في مثل مادي محسوس.
. أيهما خير؟.. أذلك الصنم الذي يعبده الكفار وهو لا يأتي لهم بخير أبدا.. لأنه لا يستطيع أن ينفع نفسه فكيف يأتي بالخير لغيره؟! بل هو عبء على من يتخذونه إلها، فإنهم يجب أن يضعوه وأن يحملوه من مكان إلى آخر إذا أرادوا تغيير المعبد أو الرحيل، وإذا سقط فتهشمت أجزاء منه، فإنه يجب أن يصلحوها. إذن: فزيادة على أنه لا يأتي لهم بخير، فإنه عبء عليهم يكلفهم مشقة، ويحتاج منهم إلى عناية ورعاية. أعبادة مثل هذا الصنم خير؟ أم عبادة الله سبحانه الذي منه كل الخير وكل النعم.. والذي يأمر بالعدل.. فلا يفضل أحدا من عباده على أحد، والذي يعطي لعباده الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، والموصل إلى الجنة في الآخرة.. إن الله سبحانه وتعالى يبين بهذا المثل غباء فكر المشركين الذين يعبدون الأصنام ويتركون عبادة الله تبارك وتعالى. وهكذا يعطينا الحق سبحانه هذين المثلان توضيحا لقضية الوحدانية والألوهية.. ثم يأتي الله سبحانه وتعالى بمثل آخر.. يضرب لنا مثلا لنوره.. هذا النور الإلهي الذي يضيء الدنيا والآخرة، فيضيء القلوب المؤمنة.. إنه يريد أن يضرب لنا مثلا لهذا النور بشيء مادي محس.. فيقول جل جلاله:
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشآء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم
[النور: 35]. كأن الله سبحانه وتعالى.. يريدنا أن نعرف بتشبيه محس.. أن مثل نوره كمشكاة، والمشكاة هي الطاقة.. وهي فجوة في الحائط بالبيت الريفي، ونحن نضع المصباح في هذه الطاقة.. إذن: المصباح ليس في الحجرة كلها، ولكن نوره مركز في هذه الطاقة فيكون قويا في هذا الحيز الضيق، ولكن المصباح في زجاجة.. تحفظه من الهواء من كل جانب.. فيكون الضوء أقوى.. صافيا لا دخان فيه.. كما أن الزجاج يعكس الأشعة فيزيد تركيزه، والزجاجة غير عادية ولكنها: " كوكب دري ".. أي: هي مضيئة بذاتها وكأنها كوكب، ووقودها من شجرة مباركة يملؤها النور لا شرقية ولا غربية.. أي يملؤها النور من الوسط ويخرج صافيا، والزيت مضيء بذاته دون أن تمسه النار.. فهي نور على نور.. أيكون جزء من هذه المشكاة ذات المساحة الصغيرة مظلما، أم تكون كلها مليئة بالنور القوي؟. وهذا ليس نور الله تبارك وتعالى عن التشبيه والوصف، ولكنه مثل فقط للتقريب إلى الأذهان، فكأن نور الله يضيء كل ركن وكل بقعة، ولا يترك مكانا مظلما.
. فهو نور على نور. ولقد أراد أحد الشعراء أن يمدح الخليفة وكانت العادة أن يشبه الخليفة بالأشخاص البارزين ذوي الصفات الحسنة.. فقال:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
Неизвестная страница