Тафсир аш-Шаарауи

الشعراوي d. 1418 AH
39

Тафсир аш-Шаарауи

تفسير الشعراوي

Жанры

[الإسراء: 82]. إذن فالإيمان والقرآن هما شفاء القلوب، كلاهما بعيد عن قلوب هؤلاء المنافقين، فكأن المرض يزداد في قلوبهم مع الزمن، والله سبحانه وتعالى - بنفاقهم وكفرهم - يزيدهم مرضا. وهذه هي الصفة الثالثة للمنافقين.. إنهم أصحاب قلوب مريضة سقيمة، لا يدخلها نور الإيمان، ولذلك فهي قلوب ضعيفة، ليس فيها القوة اللازمة لمعرفة الحق. وهي قلوب خائفة من كل ما حولها، مرتعبة في كل خطواتها، مضطربة بين ما في القلب وما على اللسان، والمريض لا يقوى على شيء، وكذلك هذه القلوب لا تقوى على قول الحق، ولا تقوى على الصدق، ولا ترى ما حولها، تلك الرؤية التي تتناسب وتتفق مع فطرة الإيمان، التي وضعها الله تعالى في القلوب، ولذلك إذا دخل المنافقون في معركة في صفوف جيش المسلمين.. فأول ما يبحثون عنه هو الهروب من المعركة، يبحثون عن مخبأ يختفون فيه، أو مكان لا يراهم فيه أحد، والله سبحانه وتعالى يصفهم بقوله:

لو يجدون ملجئا أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون

[التوبة: 57]. لماذا؟ لأنهم أصحاب قلوب مريضة، لا تقوى على شيء، ومرضها يجعلها تهرب من كل شيء، وتختفي. وليت الأمر يقتصر عند هذا الحد، ولكن ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم، غير العذاب الذي عانوه من قلوبهم المريضة في الدنيا، فبما كانوا يكذبون على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم أشد من عذاب الكافرين، والله سبحانه وتعالى يقول:

إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار..

[النساء: 145].

[2.11]

الفساد في الأرض هو أن تعمد إلى الصالح فتفسده، وأقل ما يطلب منك في الدنيا، أن تدع الصالح لصلاحه، ولا تتدخل فيه لتفسده، فإن شئت أن ترتقي إيمانيا، تأتي للصالح، وتريد من صلاحه، فإن جئت للصالح وأفسدته فقد أفسدت فسادين، لأن الله سبحانه وتعالى أصلح لك مقومات حياتك في الكون، فلم تتركها على الصلاح الذي خلقت به، وكان تركها في حد ذاته بعدا عن الفساد، بل جئت إليها، وهي صالحة بخلق الله لها فأفسدتها، فأنت لم تستقبل النعمة الممنوحة لك من الله، بأن تتركها تؤدي مهمتها في الحياة، ولم تزد في مهمتها صلاحا، ولكنك جئت إلى هذه المهمة فأفسدتها.. فلو أن هناك بئرا يشرب منها الناس، فهذه نعمة لضرورة حياتهم، تستطيع أنت بأسباب الله في كون الله أن تأتي وتصلحها، بأن تبطن جدرانها بالحجارة، حتى تمنع انهيار الرمال داخلها، أو أن تأتي بحبل وإناء حتى تعين الناس على الوصول إلى مياهها، ولكنك إذا جئت وردمتها تكون قد أفسدت الصالح في الحياة. وهكذا المنافقون.. أنزل الله تعالى منهجا للحياة الطيبة للإنسان على الأرض، وهؤلاء المنافقون بذلوا كل ما في جهدهم لإفساد هذا المنهج، بأن تآمروا ضده وادعوا أنهم مؤمنون به ليطعنوا الإسلام في داخله. ولقد تنبه أعداء الإسلام، إلى أن هذا الدين القوي الحق، لا يمكن أن يتأثر بطعنات الكفر، بل يواجهها ويتغلب عليها. فما قامت معركة بين حق وباطل إلا انتصر الحق، ولقد حاول أعداء الإسلام أن يواجهوه سنوات طويلة، ولكنهم عجزوا، ثم تنبهوا إلى أن هذا الدين لا يمكن أن يهزم إلا من داخله، وأن استخدام المنافقين في الإفساد، هو الطريقة الحقيقية لتفريق المسلمين، فانطلقوا إلى المسلمين - اسما - ليتخذوا منهم الحربة التي يوجهونها ضد الإسلام، وظهرت مذاهب واختلافات، وما أسموه العلمانية واليسارية وغير ذلك، كل هذا قام به المنافقون في الإسلام وغلفوه بغلاف إسلامي، ليفسدوا في الأرض ويحاربوا منهج الله. وإذا لفت المؤمنون نظرهم إلى أنهم يفسدون في الأرض ، وطلبوا منهم أن يمتنعوا عن الإفساد، ادعوا أنهم لا يفسدون ولكنهم يصلحون، وأي صلاح في عدم اتباع منهج الله والخروج عليه بأي حجة من الحجج؟

[2.12]

وهكذا يعطينا الله سبحانه وتعالى حكمه عليهم بأنهم كما أنهم يخدعون أنفسهم ولا يشعرون ويحسبون أنهم يخدعون الله سبحانه وتعالى والمؤمنين. كذلك، فإنهم يفسدون في الأرض ويدعون أنهم مصلحون، ولكنهم في الحقيقة مفسدون، لماذا؟.. لأن في قلوبهم كفرا وعداء لمنهج الله، فلو قاموا بأي عمل يكون ظاهره الإصلاح، فحقيقته هي الإفساد، تماما كما ينطقون بألسنتهم بما ليس في قلوبهم. والكون لا يصلح إلا بمنهج الله، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي أوجد، وهو أدرى بصنعته وبما يفسدها وبما يصلحها، لأنه هو الصانع، ولا يوجد من يعلم سر ما يصلح صنعته أكثر من صانعها. ونحن في المنهج الدنيوي إذا أردنا إصلاح شيء اتجهنا لصانعه فهو الذي يستطيع أن يدلنا على الإصلاح الحقيقي لهذا الشيء، فإذا لم يكن صانعه موجودا في البلدة نفسها اتجهنا إلى من دربهم الصانع على الإصلاح، أو إلى ما يسمونه " الكتالوج " الذي يبين لنا طريق الإصلاح، وبدون هذا لا نصلح، بل نفسد، والعجيب أننا نتبع هذه الطريقة في حياتنا الدنيوية، ثم نأتي إلى الإنسان والكون، فبدلا من أن نتجه إلى صانعه وخالقه لنأخذ عنه منهج الإصلاح، وهو أدرى بصنعته، نتجه إلى خلق الله يضعون لنا المناهج التي تفسد، وطاهرها الإصلاح لكنها تزيد الأمور سوءا. والغريب أننا نسمي هذا فلاحا، ونسميه تقدما. ولكن لماذا لا نتجه إلى الصانع أو الخالق، الذي أوجد وخلق؟ هو سبحانه وتعالى أدرى بخلقه وبما يصلحهم وما يفسدهم. وما دام الحق سبحانه وتعالى، قد حكم على المنافقين، بأنهم هم المفسدون فذلك حكم يقيني، وكل من يحاول أن يغير من منهج الله، أو يعطل تطبيقه بحجة الإصلاح، فهو مفسد وإن كان لا يشعر بذلك، لأنه لو أراد إصلاحا لاتجه إلى ما يصلح الكون، وهو المنهج السماوي الذي أنزله خالق هذا الكون وصانعه، وهذا المنهج موجود ومبلغ ولا يخفى على أحد.

[2.13]

Неизвестная страница