الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد * الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد
[إبراهيم: 1-2]. أي أن مهمة هذا الكتاب هي أن يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك إلى نور الإيمان، لأن كل كافر مشرك تحيط به ظلمات، يرى الآيات فلا يبصرها، ويعرف أن هناك حسابا وآخرة ولكنه ينكرهما، ولا يرى إلا الحياة الدنيا القصيرة غير المأمونة في كل شيء، في العمر والرزق والمتعة، ولو تطلع إلى نور الإيمان، لرأى الآخرة وما فيها من نعيم أبدي ولعمل من أجلها، ولكن لأنه تحيط به الظلمات لا يرى.. والطريق لأن يرى هو هذا الكتاب، القرآن الكريم لأنه يخرج الناس إذا قرأوه من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الحقيقة واليقين. وبين الحق سبحانه وتعالى أن الذين يلتفتون إلى الدنيا وحدها، هم كالأنعام التي تأكل وتشرب، بل إن الأنعام أفضل منهم، لأن الأنعام تقوم بمهمتها في الحياة، بينما هم لا يقومون بمهمة العبادة، فيقول الحق تبارك وتعالى:
الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون
[الحجر: 1-3]. هكذا يخبرنا الحق أن آيات كتابه الكريم ومنهجه لا تؤخذ بالتمني، ولكن لابد أن يعمل بها، وأن الذين كفروا في تمتعهم بالحياة الدنيا لا يرتفعون فوق مرتبة الأنعام، وأنهم يتعلقون بأمل كاذب في أن النعيم في الدنيا فقط، ولكن الحقيقة غير ذلك وسوف يعلمون. وهكذا بعد أن تعرضنا بإيجاز لبعض الآيات التي ورد فيها ذكر الكتاب أنه كتاب يبصرنا بقضية القمة في العقيدة وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله. وهو بهذا يخرج الناس من الظلمات الى النور. ويلفتهم إلى آيات الكون.. وليعرفوا أن هناك آخرة ونعيما أبديا وشقاء أبديا، وليقيم الدليل والحجة على الكافرين، وأن قوله تعالى: { ذلك الكتاب.. } [البقرة: 2] يحمل معنى التفوق الكامل الشامل على كل ما سبقه من كتب. وأنه سيظل كذلك حتى قيام الساعة ولذلك وصفه الحق تبارك وتعالى بأنه " كتاب " ليكون دليلا على الكمال. ولابد أن نعرف أن { ذلك.. } [البقرة: 2] ليست كلمة واحدة.. وإنما هي ثلاث كلمات.. " ذا " إسم إشارة.. " واللام " تدل على الابتعاد ورفعة شأن القرآن الكريم، و " ك " لمخاطبة الناس جميعا بأن القرآن الكريم له عمومية الرسالة إلى يوم القيامة. ونحن عندما نقرأ سورة البقرة نستطيع أن نقرأ آيتها الثانية بطريقتين.. الطريقة الأولى أن نقول { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه.. } [البقرة: 1-2] ثم نصمت قليلا ونضيف: { هدى للمتقين } [البقرة: 2] والطريقة الثانية أن نقول: { الم * ذلك الكتاب لا ريب.. } [البقرة: 2] ثم نصمت قليلا ونضيف: { فيه هدى للمتقين } [البقرة: 2] وكلتا الطريقتين توضح لنا معنى " لا ريب " أي: لا شك.
. أو نفي للشك وجزم مطلق أنه كتاب حكيم منزل من الخالق الأعلى. وحتى نفهم المنطلق الذي نأخذ منه قضايا الدين، والتي ستكون دستورنا في الحياة، فلابد أن نعرف ما هو الهدى ومن هم المتقون؟ الهدى هو الدلالة على طريق يوصلك إلى ما تطلبه . فالإشارات التي تدل المسافر على الطريق هي هدى له لأنها تبين له الطريق الذي يوصله إلى المكان الذي يقصده.. والهدى يتطلب هاديا ومهديا وغاية تريد أن تحققها. فإذا لم تكن هناك غاية أو هدف فلا معنى لوجود الهدى لأنك لا تريد أن تصل إلى شيء.. وبالتالي لا تريد من أحد أن يدلك على طريق. إذن لابد أن نوجد الغاية أولا ثم نبحث عمن يوصلنا اليها. وهنا نتساءل: من الذي يحدد الهدف ويحدد لك الطريق للوصول إليه؟ إذا أخذنا بواقع حياة الناس، فإن الذي يحدد لك الهدف لابد أن تكون واثقا من حكمته.. والذي يحدد لك الطريق لابد أن يكون له من العلم ما يستطيع به أن يدلك على أقصر الطرق لتصل إلى ما تريد. فإذا نظرنا إلى الناس في الدنيا نجد أنهم يحددون مطلوبات حياتهم ويحددون الطريق الذي يحقق هذه المطلوبات.. فالذي يريد أن يبني بيتا مثلا يأتي بمهندس يضع له الرسم، ولكن الرسم قد يكون قاصرا على أن يحقق الغاية المطلوبة فيظل يغير ويبدل فيه. ثم يأتي مهندس على مستوى أعلى فيضع تصورا جديدا للمسألة كلها.. وهكذا يكون الهدف متغيرا وليس ثابتا. وعند التنفيذ قد لا توجد المواد المطلوبة فنغير ونبدل لنأتي بغيرها ثم فوق ذلك كله قد تأتي قوة أعلى فتوقف التنفيذ أو تمنعه. إذن، فأهداف الناس متغيرة تحكمها ظروف حياتهم وقدراتهم: والغايات التي يطلبونها لا تتحقق لقصور علم البشر وإمكاناته. إذن، فكلنا محتاجون إلى كامل العلم والحكمة ليرسم لنا طريق حياتنا.. وأن يكون قادرا على كل شيء، ومالكا لكل شيء، والكون خاضع لإرادته حتى نعرف يقينا أن ما نريده سيتحقق، وأن الطريق الذي سنسلكه سيوصلنا إلى ما نريده. وينبهنا الله سبحانه وتعالى إلى هذه القضية فيقول:
قل إن هدى الله هو الهدى..
[البقرة: 120]. إن الله يريد أن يلفت خلقه ألى أنهم إذا أرادوا أن يصلوا إلى الهدف الثابت الذي لا يتغير فليأخذوه عن الله. وإذا أرادوا أن يتبعوا الطريق الذي لا توجد فيه أي عقبات أو متغيرات .. فليأخذوا طريقهم عن الله تبارك وتعالى.. إنك إذا أردت باقيا.. فخذ من الباقي، وإذا أردت ثابتا.. فخذ من الثابت. ولذلك كانت قوانين البشر في تحديد أهدافهم في الحياة وطريقة الوصول إليها قاصرة.
. علمت أشياء وغابت عنها أشياء.. ومن هنا فهي تتغير وتتبدل كل فترة من الزمان. ذلك أن من وضع القوانين من البشر له هدف يريد أن يحققه، ولكن الله جل جلاله لا هوى له.. فإذا أردت أن تحقق سعادة في حياتك، وأن تعيش آمنا مطمئنا.. فخذ الهدف عن الله، وخذ الطريق عن الله. فإن ذلك ينجيك من قلق متغيرات الحياة التي تتغير وتتبدل. والله قد حدد لخلقه ولكل ما في كونه أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته. والذين لا يأخذون هذا الطريق يتعبون أنفسهم ويتعبون مجتمعهم ولا يحققون شيئا. إذن، فالهدف يحققه الله لك، والطريق يبينه الله لك.. وما عليك إلا أن تجعل مراداتك في الحياة خاضعة لما يريده الله. ويقول الله سبحانه وتعالى: { هدى للمتقين } [البقرة: 2].. ما معنى المتقين؟ متقين جمع متق. والاتقاء من الوقاية.. والوقاية هي الاحتراس والبعد عن الشر.. لذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة..
[التحريم: 6]. أي اعملوا بينكم وبين النار وقاية. احترسوا من أن تقعوا فيها.. ومن عجيب أمر هذه التقوى أنك تجد الحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم - والقرآن كله كلام الله -
Неизвестная страница