Тафсир аш-Шаарауи
تفسير الشعراوي
Жанры
[طه: 17]. كان يكفي موسى أن يقول: عصا، وتنتهي إجابته عن السؤال، ولو قال موسى: عصا، لكان ذلك منه عدم استيعاب لتقدير إيناس الله له بالكلام، لكن سيدنا موسى عليه السلام انتهز سؤال الله له ليطيل الأنس بالله فيقول:
قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى
[طه: 18]. تأمل التطويل في إجابة موسى. إن كلمة " هي " زائدة، و " أتوكأ عليها " زائدة أي غير محتاج إليها في إفادة المعنى، و " أهش بها على غنمي " تطويل أكثر، و " لي فيها مآرب أخرى " رغبة منه في إطالة الحديث أكثر. إذن: فكلام الله والنظر إليه سبحانه أفضل النعم التي ينعم الله بها على المؤمنين يوم القيامة.
فإذا كان الله سيمنع عن الكافرين وسائل التكريم المادي فلا يكلمهم، فهذه مسألة صعبة. { ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } [البقرة: 174] وبعد أن يحرمهم من الكلام والاستئناس بحضرته ولا يطهرهم من الخبائث التي ارتكبوها ولا يجعلهم أهلا لقربه، بعد ذلك يعذبهم عذابا شديدا كأن فيه عذابا سابقا ثم يأتي العذاب الأشد، لأنهم لابد أن يلاقوا عذابا مضاعفا، لأنهم كتموا منهج الله عن خلق الله، فتسببوا في إضلال الخلق، فعليهم وزر ضلالهم وأوزار فوق أوزارهم لأنهم أضلوا سواهم. ومسألة كلام الله للناس أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر ".
ما سر حرمان هؤلاء من كلام الله وتزكيته والنظر إليهم؟ إن الشيخ الزاني يرتكب إثما، لا ضرورة له لأنه لا يعاني من سعار المراهقة. والملك الذي يكذب، إنما يكذب على قوم هم رعيته، والكذب خوف من الحق، فممن يخاف الملك إذا كان الناس تحت حكمه؟. وعائل الأسرة عندما يصيبه الكبر وهو فقير، سيسبب له هذا الكبر الكثير من المتاعب ويضيق عليه سبل الرخاء وسبل العيش ويجعله في شقاء من العيلة، فإن أراد أحد مساعدته فسيكون الكبر والاستعلاء على الناس حائلا بينه وبين مساعدته، وهذا هو معنى " لا يكلمهم ولا يزكيهم " ، فما معنى " لا ينظر إليهم "؟ إن النظر شراك العطف، ولذلك يقطع الحق عنهم باب الرحمة والعطف من الأصل، وهو النظر إليهم، ويذيل الحق الآية الكريمة بقوله: { ولهم عذاب أليم } أي مؤلم، وعندما تسمع صيغة " فعيل " فنحن نأخذها بمعنى فاعل أو مفعول، لذلك نفهم " أليم " على أنه مؤلم. ثم يقول الحق: { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب... }.
[2.175]
يذكر الله لنا حيثية الحكم عليهم ولماذا لا يكلمهم ولماذا لا يزكيهم، ولماذا يكون لهم في الآخرة عذاب أليم؟ إنهم قد بدلوا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة. وعندما ترى فظاعة العقاب فلا تستهوله، ولكن انظر إلى فظاعة الجرم. إن الناس حين يفصلون الجريمة عن العقاب فهم يعطفون على المجرم لأنهم لا يرون المجرم إلا حالة عقابه ومحاكمته ونسوا جريمته، ولذلك فساعة ترى عقوبة ما وتستفظعها فعليك استحضار الجرم الذي أوجب تلك العقوبة. ولذلك نجد الناس غالبا ما يعطفون على كل المجرمين الذين يحاكمون وتصدر عليهم عقوبات صارمة، لأن الجريمة مر عليها وقت طويل، ولم نرها، وآثارها وتبعاتها انتهت. ولم يبق إلا المجرم فيعطفون عليه، ولذلك فمن الخطأ أن تطول الإجراءات في المحاكمات، بل لابد من محاكمة المجرم من فور وقوع الجريمة وهي ساخنة حتى لا يعطف عليه الجمهور، لأن تعطيف قلب الجمهور عليه يجعل العقوبة قاسية. { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } [البقرة: 175] ونعرف أن " الباء " تدخل على المتروك، فالضلالة هنا أخذت وترك الهدى، واستبدلوا العذاب بالمغفرة، وما داموا قد أخذوا الضلالة بدلا من الهدى، والعذاب بدلا من المغفرة، فالعدالة أن يأخذوا العذاب الأليم. وبعد ذلك يقول الحق: { فمآ أصبرهم على النار } [البقرة: 175] هذا تبشيع للعقاب حتى ينفر منه الناس. ويريد منا الله أن نتعجب، كيف يجوز للضال أن يترك الهدى ويأخذ الضلال، وبعد ذلك تكون النتيجة أن يأخذ العذاب ويترك المغفرة. فما الذي يعطيه الأمل في أن يصبر على النار؟، هل عنده صبر إلى هذا الحد يجعله يقبل على الذنب الذي يدفعه إلى النار؟. وما الذي جعله يصبر على هذا العذاب؟ أعنده قوة تصبره على النار؟ وما هذه القوة؟. وكأن الحق يقول: أنت غير مدرك لما ينتظرك من الجزاء وإلا ما الذي يصبرك على هذه النار؟ إنك تتمادى في طغيانك وضلالك، وتنسى أن النار ستكون من نصيبك فإذا كنت متيقنا أن النار من نصيبك فكيف أخذت أمانا من صبرك على النار. فالنار أمر لا يصبر عليه إنسان أبدا. ويقول الحق بعد ذلك: { ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق... }.
[2.176]
وذلك إشارة إلى ما تقدم، وما تقدم هو الضلالة التي أخذوها وتركوا الهدى، والعذاب الذي أخذوه بدلا من المغفرة، ونار يعذبون فيها، وقد صبروا عليها، إنها ثلاثة أشياء ملتقية العذاب، والضلالة، والنار. فالضلال هو السبب الأصيل في العذاب، فإذا قال الله: عاقبتهم بكذا لأنهم ضلوا، فذلك صحيح، وإذا قال: فعلت فيهم ذلك لأنهم استحقوا العذاب، فهو صادق، والعذاب كحكم عام يكون بالنار. إذن: عندما يقول الحق: بالنار أو بالعذاب أو بالضلال فمرجعها جميعا واحد، يقال عنه: " ذلك ". { ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق } [البقرة: 176] والذي يغير الكتاب ويكتمه إنما يكره الحق. { وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد } [البقرة: 176]. إنها هوة واسعة يسقطون فيها، فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوة كبيرة، فلو كان الخلاف في أمور مادية لأمكن للبشر أن يتحملوها فيما بينهم، ولكانت مسألة سهلة. ولكن الخلاف في أمر قيمي لا يقدر البشر على أن يصلحوه فيما بينهم، من هنا فإن شقة الخلاف واسعة، ولا يقوى على حلها إلا الله، ولذلك قال سبحانه:
Неизвестная страница