Тафсир аль-Мунтасир аль-Каттани

Мухаммад аль-Мунтасир аль-Кеттани d. 1419 AH
79

Тафсир аль-Мунтасир аль-Каттани

تفسير المنتصر الكتاني

Жанры

تفسير قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها) يقول تعالى مستفهمًا استفهام تقرير وتأكيد وتعليم وإيضاح، أي: يوجهنا ويعلمنا ويحقق رسالة نبيه التي أرسله بها. يقول: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [الكهف:٥٧] أي: من أكثر ظلمًا وشركًا، ومن أكثر جنونًا ممن جاءته الرسل وجاءته كتب الله بالدلائل الواضحات القطعية مما لا يدفعها منطق ولا عقل سليم فأعرض عنها. قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾ [الكهف:٥٧] أي: ذكر بها ووعظ وأرشد وخوطب وكوشف. فهذا الذي يأتيه رسول أو كتاب، ومع ذلك يأبى القبول والخضوع ويعرض عن آيات ربه ويهجرها فيترك الإيمان بها، ولا يلقي لها بالًا ولا يعتبرها، فهو ظالم لنفسه. قوله: ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [الكهف:٥٧] أي: أعرض عن تذكير رسله له، وأعرض عن كتاب ربه له ولأمثاله، ثم جاء فنسي ما قدمت يداه من شرك بالله وكفر بآياته، وظلم واعتداء على الأعراض والأموال وسلب الناس حقوقهم، وغير ذلك مما لا يجوز فيه الاعتداء على حق أحد من الناس، فهو ظالم لنفسه بكفره بالله، وهو ظالم لنفسه لأخذه حقوق الناس، وأكله أموالهم وانتهاكه أعراضهم، واشتغاله بشتائمهم وسبابهم، هزءًا منه بكتاب الله ورسوله، وما أتى به من معجزات وبراهين واضحات. قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الكهف:٥٧] يقول ﷻ: هؤلاء الذين لم يعطوا لأنفسهم فرصة التعلم والسماع والتذكير والتفكير فيما جاء به رسول الله فكذبوا، ثم أعرضوا، ثم استهزءوا، ثم نسوا ما قدمت أيديهم من شرك وظلم وإيذاء واعتداء؛ هؤلاء يقول الله عنهم: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ [الكهف:٥٧] أي: غشاوة وغبارًا غطاها عن سماع الحق ووعيه وفهمه، وهذا يحدث لمن سبق في علم الله أن جازاه بسوء الخاتمة وبأن يموت على الشرك؛ ليخلد في النار جزاءً وفاقًا، لا للكفر فقط، بل مع الكفر العناد والهزء بالأنبياء وبكتب الله. قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ [الكهف:٥٧] أكنة: جمع كنان، أي: سترًا، وغشاوة، حيث يسمعون فلا يعون، وينظرون فلا يبصرون، تسمع قلوبهم فلا تفقه ما يقال لها، كأنهم خشب مسندة، قد يفهم الحيوان ويعلم ويؤدب ولا يفهم هو ألبتة. قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ [الكهف:٥٧] أي: جعلنا على قلوبهم ما أفسد فهمهم ووعيهم وأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم، فلم يعوا ولم يدركوا ولم يتعظوا. قوله: ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الكهف:٥٧] أي: وجعل على آذانهم ثقلًا، وهذه أشياء معنوية؛ ولذا قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف:١٩٨] أي: تراه ذا بصر وسمع وقلب وفهم وذكاء، ومع ذلك لا يستفيد ببصره؛ فيكون أعمى لا يدرك ما يدركه البصير، ولا يسمع ما يسمعه البصير، ولا يفقه ما يفقهه الذكي والعاقل والسامع والمبصر، فهو كأنه قد جعل على آذانه ثقلًا من حديد، وجعل على قلبه غشاوة، والران يغطي على القلب والسمع والبصر، فهو لا يبصر ولا يسمع، ولا يعي ولا يفهم، وعلى آذانه وقر. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف:٥٧] أي: هؤلاء -وقد صعد الران على قلوبهم، والآنك في آذانهم، والغشاوة على الأبصار- لو دعوتهم إلى الهدى لا يهتدون إذًا أبدًا؛ لأنهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعون، فالأبصار والأسماع والقلوب قد عطلت عن فائدتها، فلا عين ترى، ولا أذن تسمع، ولا قلب يفقه، ولا عقل يدرك، فهم في بلاء ولعنة مسترسلة لعدم الفهم والوعي، وهكذا لم تفد فيهم رسالة، ولم يفد فيهم كتاب ولا علم ولا وعظ ولا إرشاد. قوله: ﴿وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف:٥٧] يقول الله عنهم: من كان كهؤلاء لم يهتد أبد الآبدين، فيعيشون ظالمين كفرة، ويبعثون كافرين ظلمة، ويخلدون في النار على ذلك، كالكثير ممن يحاول أن يسأل عن العلم وهو أجهل من الحمار، وكثير ممن يظن أنه يدرك ويعلم، وإذا به أبلد من حذاء، وإذا به الأجدر أن يربط في الإسطبل مع الدواب والمواشي، إن ذكرته بقال الله يظنك تتحدث معه في قصص ألف ليلة وليلة، وإن حدثته بقال رسول الله كأنك تحدثه بما يسميه الفنان والفنانة. وإذا رأى فيك صفة مما تحترم أو تجل، تجده قد كفر بكل إجلال واحترام بدءًا من سيد البشر ﵊ ورسالته، كما وصفهم الله بأنهم لم يؤمنوا ولن يؤمنوا، وأنهم يهزءون بكتاب الله ورسل الله وآيات الله، هؤلاء: ﴿كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف:١٧٩] فلا يجوز أن يتركوا ليدخلوا مسجدًا أو يعاشروا مسلمًا أو يحضروا مجمعًا، هؤلاء أوجب الإسلام علينا أن نضرب على أيديهم، وأن نطهر المجامع منهم ومن أمثالهم.

11 / 3