164

Тафсир аль-Мунтасир аль-Каттани

تفسير المنتصر الكتاني

Жанры

تفسير قوله تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا) قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم:٦٠]. ربنا ﷻ من رحمته بخلقه وعباده حتى بالعصاة المذنبين يقرر العذاب ونوعه وينذر ويتوعد، ثم يدعو خلقه وعبيده إليه: إن أنتم تبتم وتراجعتم فالله يتوب على من تاب، قال رسول الله ﷺ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وقال أيضًا: (الإسلام يجب ما قبله) أي: يقطع ما سبق من الذنوب والآثام كما قال سيد البشر صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيستثني الله من هؤلاء التاركين للصلاة: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم:٦٠]، وشروط التوبة ثلاثة: ألا يعود للذنب الذي ارتكبه، وأن يندم على ما صدر منه، وأن يعطي عهدًا بينه وبين نفسه لربه ألا يعود لذلك الذنب الذي تاب منه. فإن كان الذنب مع ربه فإنه يشترط في التوبة هذه الثلاثة الشروط، فإن خلا من التوبة شرط من هذه الشروط لم تقبل توبته، فتارك الصلاة إذا قال: تبت، فمن تمام التوبة أن يعود للصلاة، ويعوض ما فاته، ويندم على ما فات من الذنب، فيجد ألمًا وحسرة ويتعهد ألا يعود لذلك، فإن غلبه الشيطان أو رفاق السوء فليجدد التوبة مرة أخرى. وأما إذا كان الحق للإنسان فيشترط هذه الشروط ويزاد رابعًا وهو: إن كان مالًا قد أخذه فيجب أن يعيده له، وإن كان حدًا قد ارتكبه في حقه فيجب عليه أن يسلم نفسه لقيام الحد إلا أن يعفو صاحب الحد، وإن كان شتيمة أو سوءًا أو كان شيئًا دون ذلك فليذهب إلى من أساء إليه وليتحلل منه، وبعد ذلك يغفر الله ويتوب، وكما قال الشاعر: كن كيف شئت فإن الله ذو كرم وانسَ الهموم فما في الأمر من باسِ سوى اثنتين فلا تقربهما أبدًا الشرك بالله والإضرار بالناس إذ الشرك لا مغفرة له، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء:٤٨]، وحقوق الناس لا تغفر إلا إذا غفرها أصحابها وتنازلوا عنها، وإلا فسيدانون عليها، ويؤدونها بالوافر يوم القيامة، فإن لم يوجد عند أحدهم ما يؤديه فإنه يؤخذ من حسناته وتضاف إلى ميزان من ظلمه. ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ﴾ [مريم:٦٠] أي: آمن بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا، قوله: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم:٦٠] أي: لا بد مع الإيمان والتوبة أن يعمل الصالحات، والصالحات تجمعها الأركان الخمسة: الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام، فمن قام بما عليه من أركان فقد أفلح، إلا المال فإن وجد مالًا زكى وإلا فلا زكاة عليه، وكذلك الحج إن وجد زادًا وراحلة فليحج. قال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم:٦٠]، فالتائبون من الذنوب كمن لا ذنوب لهم، فهم القائمون بالصلوات في أوقاتها، والصائمون شهر رمضان بما أمر الله به من واجبات وسنن ومستحبات وترك للمكروهات، والقائمون بما عليهم من حج بيت الله الحرام، والإتيان بكل حسنة وبكل شعيرة من الشعائر الطيبة، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧]. وضابط ذلك ما قاله ﷺ: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فإذا أمر النبي ﷺ بأمر فليأت المأمور بما استطاع، فأمرنا بالصلاة قيامًا فمن عجز لمرض فليصل جالسًا، وأمرنا بالوضوء للصلاة فمن عجز فليتيمم، وأمرنا بالحج فمن عجز فلا حج عليه، (فأتوا منه استطعتم). ﴿وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧] أي: فلا تفعل لزومًا، فلا زنا ولا سرقة ولا ربا ولا ظلم ولا شرك ولا كفر، إلى آخر ما هناك من المنهيات، فعلى المؤمن الحق أن يفعل من الخير ما استطاع ووجد إليه سبيلًا، وأن يترك جميع ما أمر بتركه. قال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ [مريم:٦٠] أولئك يكونون مع المؤمنين الصادقين في الجنان، وهي درجات ما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، فأعلاها الفردوس، وهي مساكن الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: ﴿وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم:٦٠] أي: لا يظلمون في كل ما قدموه من طاعة وفعل خير، حتى ما سبق أن فعلوه قبل المعصية وقبل الذنب فإنه يعود لهم ويجازون عليه ولا يظلمون منه شيئًا، وما تابوا منه تاب الله عليهم، والإسلام يجب ما قبله، ومن تاب تاب الله عليه، وكما قال ﷺ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

27 / 3