هارون: هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين السيوف فاتّقوا الله واصبروا، فلعن الله رجلا حلّ حبوته أو قام من مجلسه أو مدّ طرفه إليهم أو اتّقاهم بيده أو رجله. فقالوا:
آمين. فجعلوا يقتلونهم إلى المساء.
وقام موسى يدعو ربّه لمّا شقّ عليه من كثرة الدماء. فنزلت التوراة، وقيل له:
ارفع السيف، فإنّي قد قبلت توبتهم جميعا من قتل منهم ومن لم يقتل، وجعلت ذلك القتل لهم شهادة وغفرت لمن بقي منهم. فكان القتلى سبعين ألفا والقاتلون اثنا عشر ألفا. وكان السبب في امتحانهم بذلك: أنه كان فيهم من عرف بطلان عبادة العجل؛ إلا أنّهم لم ينهوا الآخرين لخشية وقوع القتل فيما بينهم، فابتلاهم الله بما تركوا النهي عن المنكر لأجله.
قوله ﷿: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً؛﴾ وذلك أن الله ﷿ أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل؛ فاختار موسى من قومه سبعين رجلا من خيارهم؛ وقال لهم: صوموا وتطهّروا وطهّروا ثيابكم.
ففعلوا ذلك، فخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه؛ فلما بلغوا هنالك أمرهم موسى بالمكث في أسفل الجبل وصعد هو؛ فقالوا لموسى: أطلب لنا نسمع كلام الله؛ فوقع على الجبل غمام أبيض؛ فغشاه كله.
وكان موسى ﵇ إذا ناجى ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه؛ فضرب دونه الحجاب؛ ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام؛ وخرّوا سجّدا؛ فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه، فأسمعهم الله تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا﴾ (^١) أخرجتكم من مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري؛ فلما فرغ موسى وانكشف الغمام؛ وأقبل إليهم، قالوا: ﴿(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)﴾ أي لا نصدّق حتى نرى الله عيانا وعلانية، ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ؛﴾ أي فأخذتهم الصاعقة؛ أي نزلت نار من السماء فأحرقتهم جميعا. ويقال: سمعوا صوتا فماتوا.
يقال: صعق فلان؛ أي هلك، ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ (٥٥).
(^١) طه ١٤/.