المعنى الأول لفتق السماوات والأرض
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء:٣٠].
هنا آية من آيات الله في الكون العظيم حولنا، ولا شك أن الله سبحانه حين يقول: ﴿أَوَلَمْ يَرَ﴾ [الأنبياء:٣٠]، إذًا هؤلاء يرون، ولذلك فإنه سيعذبهم؛ لأنهم لم ينظروا في هذا الكون حتى يعرفوا قدرة الله الباهرة، وعظمته القاهرة ﷾، كيف دبر أمر هذا الكون.
﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء:٣٠]، إذًا: هنا الخطاب للكفار، فهم يرون منذ أن كانوا في عهد النبي ﷺ، وكذلك الذين يأتون من بعدهم يرون حتى تقوم الساعة، وكل يرى آيات الله ﷿، ويعلم أن هذا الحق من عند الله رب العالمين ﷾.
﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ [الأنبياء:٣٠].
قال المفسرون في معناها: الرتق: السد، الشيء المسدود الملصق بعضه على بعض.
والفتق: هو انفتاح اللصق.
إذًا: هنا كأنه شيء مغلق مسدود ففتق أي: فتح، والصحابة فهموها كذلك، يقول ابن عباس ﵁ وغيره: كانتا شيئًا واحدًا ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء، وما أجمل تفسير ابن عباس رضي الله ﵎ عنه! وكأنه ينظر إلى أشياء لا يراها غيره.
ابن عباس يقول: إن السماوات والأرض كانتا ملتزقتين في بعض وربنا فتقها، ولكن الكفار هل كانوا يرون ذلك؟ هل رأوا أن السماوات والأرض كانتا رتقًا ثم افتتقا عن بعضهما؟ لا شك أنهم في الماضي لم يروا ذلك، ولكن الله يقول: ﴿أَوَلَمْ يَرَ﴾ [الأنبياء:٣٠]، إذًا هناك شيء هم يرونه أمامهم، والله ﷿ يقول: انظروا إلى حكمة الله فيه، لذلك جاء عن ابن عباس وعن عكرمة وابن زيد وغيرهم قالوا: إن السماوات رتقها الله ﷿ بالمطر، كانت لا تمطر فأنزل منها المطر، أي: كأن السماء في جفاف ومن ثم أنزل المطر فحصل هذا الفك.
والأرض كانت لا تنبت فنزل المطر عليها فإذا بها تتفتق وتتصدع وتتشقق وجذور النبات يدخل فيها وتطلع الأشجار، فتفتقت الأرض بهذا النبات، وهذا هو ما يراه هؤلاء، فهم يرون أمامهم البذرة توضع في الأرض ثم ينزل المطر فتنمو البذرة وتتصدع الأرض حولها، فيرون أمامهم هذه الآية: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء:٣٠].
وهذا تفسير صحيح أن ﴿كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء:٣٠]، أي: فتق الأرض بذلك، وفتق السماء بنزول المطر منها، وهذه آية من الله ﷾ يراها هؤلاء، يرون السحابة صافية ليس فيها شيء، ثم يتجمع فيها الماء إلى أن تظلم، ثم تبدأ تتفتق وينزل منها المطر، إذًا ﴿كَانَتَا رَتْقًا﴾ [الأنبياء:٣٠]، أي: سحابة مغلقة، وبعد هذا انفتحت ونزل منها المطر، هذا الذي يراه الكفار دائمًا في الماضي وفي الحاضر.
4 / 9