ثم بعد ذلك ما كان أسرعها رجوعًا، وهما هاتان الخصلتان. وقال: ما اطلع الله على قلب فرأى فيه همّ الدنيا إلاَّ مقته، والمقت أن يتركه ونفسه. والقلب لا يملكه أحد إلاَّ الله تعالى، ولا يطيع أحدًا إلاَّ الله، فإذا ذكرت به فضع سرك مع الله، فإنه ليس من أحد وضعت سرك عنده إلاَّ هتكه، إلاَّ الله ﷿.
[سورة الأنعام (٦): آية ١٢٧]
لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧)
قوله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [١٢٧] قال: يعني سلم فيه من هواجس نفسه ووساوس عدوه.
[سورة الأنعام (٦): آية ١٢٩]
وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)
قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [١٢٩] أي ينتقم الله تعالى من الظالم بالظالم، ثم ينتقم من الجميع بنفسه.
[سورة الأنعام (٦): آية ١٤٧]
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧)
قوله تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ [١٤٧] قال سهل: قيل لرسول الله ﷺ: من أعرض عنك فرغبه فيَّ، فإن من رغب فينا ففيك رغب لا غير، فأطمعهم في الرحمة، ولا تقطع قلبك عنهم فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ [١٤٧] .
[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٥١ الى ١٥٣]
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣)
قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ [١٥١] ما ظهر منها ما نهى عن إتيانه بالجوارح الظاهرة، وما بطن يعني الإصرار عليه هو على ضربين: فواحد يأتي بمعصية ويبقى مصرًا عليها مقيمًا على إتيانها، وآخر مصرّ على المعصية لمحبتها في القلب، ولا يقدر أن يفعلها متى وجدها لضعف جوارحه، وهو على أن يفعلها، وهذا من أعظم الإصرار.
وقال سهل: من أكل الحلال بالشهوة فهو مصرّ، ومن جاوز حاله إلى الغد ما لم يأت الغد فهو مصر. فسئل عن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين في التفكر فيما لا يعنيهم، فقال: يجوز عليهم الفعل بالجوارح حتى تابوا إلى الله تعالى عن ذلك، فكيف الفكرة. قيل له: هل للقلب من تعبد استعبده الله به دون الجوارح؟ فقال: نعم سكون القلب. قيل له: السكون هو الغرض أم العلم الذي به السكون؟ فقال: هو علم اسميه السكون، يجر ذلك السكون إلى اليقين، فالسكون مع اليقين فريضة.
قوله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
[١٥٢] قال: تكلم أهل الصدق على أربعة أوجه، قوم تكلموا في الله وبالله ولله ومع الله، وقوم تكلموا في أنفسهم لأنفسهم فسلموا من آفة الكلام وقوم تكلموا في الخلق ونسوا أنفسهم وابتدعوا وضلوا، وبئس ما صنعوا إلى أنفسهم. فاتركوا الكلام للعلم، ثم تكلموا على الضرورة تسلموا من آفات الكلام. يعني أن لا تتكلم حتى تخاف من الإثم. ثم قال: من ظن [ظن السوء] «١» حرم اليقين، ومن تكلم بما لا يعنيه حرم الصدق، ومن شغل جوارحه في غير الله «٢» حرم الورع، فإذا حرم العبد هذه الثلاث هلك، وهو مثبت في ديوان
_________
(١) ما بين القوسين إضافة من الحلية ١٠/ ١٩٦.
(٢) في الحلية ١٠/ ١٩٦: (اشتغل بالفضول) مكان (شغل جوارحه في غير الله) .
1 / 63