[سورة النساء (٤): الآيات ٤٧ الى ٤٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)
قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا [٤٧] أي يحول الله عن الهدى والبصيرة إلى طبع الجهالة. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [٤٨] قال: إذا لم يكن بينه وبين أحد مظلمة، وإنما كانت ذنوبه فيما بينه وبين الله تعالى، فإنه يغفرها وهو الجواد الكريم، وقد روي عن النبي ﷺ قال: «يؤتى بعبد يوم القيامة فيؤمر به إلى النار، فيقول: ما كذا كان ظني. فيقول الله ﷿: ما كان ظنك بي؟ فيقول: أن تغفر لي. فيقول الله ﷿: قد غفرت لك، فيأمر به إلى الجنة» .
[سورة النساء (٤): آية ٦٣]
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣)
قوله تعالى: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [٦٣] أي مبلغًا بلسانك كنه ما في قلبك بأحسن العبارة عني.
[سورة النساء (٤): الآيات ٧٦ الى ٧٧]
الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا (٧٦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧)
قوله: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [٧٦] قال: المؤمنون خصماء الله على أنفسهم، والمنافقون خصماء النفوس على الله ﷿، يبتدرون إلى السؤال ولا يرضون بما يختار الله لهم وهو سبيل الطاغوت، إذ النفس أكبر الطواغيت، إذا خلا العبد معها، قيل له عن المعصية. قوله تعالى: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ [٧٧] فسئل: ما الدنيا؟ فقال: الدنيا كلها جهل إلاَّ موضع العلم، العلم كله حجة إلاَّ موضع العمل به، والعمل كله هباء إلاَّ موضع الإخلاص، والإخلاص لا يتم إلاَّ بالسنة. ثم قال: دنياك نفسك، فإذا أفنيتها فلا دنيا لك.
[سورة النساء (٤): آية ٨١]
وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٨١)
قوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [٨١] فسئل: ما التوكل؟ فقال: التوكل طرح البدن في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية، والتبري من الحول والقوة. قيل له: ما حقيقة التوكل في الأصل؟ فقال «١»: حقيقة التوكل في الأصل الإقرار بالتوحيد، وفي الفرع علم الساعة، وفي السكون المعاينة. ثم قال: لا تجزعوا من التوكل، فإنه عيش لأهله. قيل: من أهله؟ قال:
الذين خصوا بالخصوصية. فقيل له: لو زدت لنا وضوحًا. فقال سهل: إن العلوم كلها أدنى باب من التعبد، وجملة التعبد أدنى باب من الورع، وجملة الزهد أدنى باب من ظهور القدرة، ولا تظهر القدرة إلاَّ للمتوكل، وليس للتوكل غاية وصف يوصف به، ولا حد يضرب له بالأمثال، ولا غاية ينتهي إليها. فقيل له: صف لنا بعضه. فقال: إن المتوكل له ألف منزل، أول منزل منه المشي في الهواء. قيل له: بماذا يصل العبد إليه؟ فقال: إن أول الأشياء المعرفة، ثم الإقرار، ثم التوحيد، ثم الإسلام، ثم الإحسان، ثم التفويض، ثم التوكل، ثم السكون إلى الحقّ جلَّ وعزَّ في جميع الحالات، وقال: لا يصح التوكل إلاَّ للمتقي. قيل: ما التقوى؟ قال: كف الأذى «٢» .
_________
(١) في الحلية ١٠/ ٢٩٨: (سئل عن حقيقة التوكل، فقال: نسيان التوكل) . [.....]
(٢) في الحلية ١٠/ ٢٩٨، (قال: لا يصح التوكل إلاَّ للمتقي، ولا تتم التقوى إلا لمتوكل) .
1 / 54