يدخل عليه ولا يخرج منه، إلاَّ بوزن، حينئذ يعرف ذنوبه، فمن فتح على نفسه باب حسنة فتح الله عليه سبعين بابًا من التوفيق، ومن فتح على نفسه باب سيئة فتح الله عليه سبعين بابًا من الشر من حيث لا يعلمه العبد، وما من قلب يهم بما لا يعنيه إلاَّ عوقب في الحال بتضييع ما يعنيه، ولا يعرف ذلك إلاَّ العلماء بالله. وسئل عن قوله: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [١٨٠] ما هذا الخير عندك؟
قال: المال الحلال، كما قال الله تعالى: مَآ أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ [٢١٥] أي من مال حلال في وجوهه وابتغاء مرضاته، فقال: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [٢٧٢] أي من مال حلال، يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [٢٧٢] أي توفون الجزاء من الله تعالى على فعلكم وما قصدتم به. وسئل عن قوله:
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [١٧٧] أي في بداية الأمر بالسنة، وَالضَّرَّاءِ [١٧٧] أي في اجتناب المنهي ظاهرًا وباطنًا في أكل الحلال، والبأساء في الظاهر الفقر، والضراء الشدة، وَحِينَ الْبَأْسِ [١٧٧] أي عند القتال.
وسئل عن قوله: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [٢٠٦] قال: يعني الحمية، كما قال في ص:
فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ [ص: ٢] أي في حمية واختلاف. وقوله: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [١٦٥] أي يحبون الأنداد كحبهم الله ﷿، فقد وصف الله تعالى شدة كفرهم وصدقهم في حال الكفر جهلًا، ووصف محبة المؤمنين وصدقهم في الإيمان بالله تعالى حقًا، ثم فضل المؤمنين بالمعرفة فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [١٦٥] بمعرفتهم وسائر أسباب العبد المؤمن إلى الإقبال عليه وإقامة الذكر له، وتلك منزلة العارفين المحبين، إذ المحبة عطف من الله تعالى بخالصة الحق. فقيل له: ما علامة المحبة؟ قال: معانقة الطاعة ومباينة الفاقة.
وقد حكي أن الله تعالى أوحى إلى موسى ﵇: أتدري لم ألقيت عليك محبتي؟ فقال:
لا يا رب. فقال: لأنك ابتغيت مسرتي. يا موسى: أنزلني منك على بال، ولا تنس ذكري على حال، وليكن همتك ذكري، فإن طريقك عليّ «١»، والله ﷾ أعلم.
_________
(١) في المعجم الوسيط ١/ ١٤١: (قال موسى: أنا أكون على حال من الحال، أجلّك أن أذكرك، الغائط والجنابة، فقال: اذكرني على كل حال) . وانظر مثل ذلك في الحلية ٦/ ٣٧.
1 / 45