ويحرّم حرامه، ويعقل أمثاله «١»، كما قال: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت: ٤٣] أي أهل العلم بالله تعالى والمعرفة به خاصة.
قال سهل: في القرآن آيتان ما أشدّهما على من يجادل في القرآن، وهما قوله تعالى: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: ٤] أي يماري في آيات الله ويخاصم بهوى نفسه وطبع جبلّة عقله، قال تعالى: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: ١٩٧] أي لا مراء في الحج. والثانية قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: ١٧٦] .
قال النبي ﷺ: «معاشر الناس، لا تجادلوا في القرآن فإن جادل به المؤمن المهتدي أصاب، وإن جادل به المنافق المفتري أقام حجّة بالقياس والهوى بغير صواب» .
وقال النبي ﷺ: «شرار عباد الله يتبعون شرار المسائل ليمتحنوا بها عباد الله أعناتا» «٢» .
والله تعالى خصمهم يوم القيامة، لأن كل سائل مسؤول يوم القيامة ما أردت به.
وقال سهل: العجب كل العجب لمن قرأ القرآن ولم يعمل به، ولم يجتنب ما نهاه الله عنه، أما استحيا من الله ومحاربته ومخالفته وأمره ونهيه بعد علمه به؟ فأي شيء أعظم من هذه المحاربة؟ ألم يسمع وعده ووعيده؟ ألم يسمع ما وعد الله به من النكال فيرحم نفسه ويتوب؟
ألم يسمع قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: ٥٦] فيجهد في الإحسان؟
ألم يسمع قوله: «ورحمتي سبقت عذابي» فيرغب في رحمته.
وقال سهل: اللهم أنت أكرمتهم بالموهبة الجميلة، وخصصتهم بهذه الفضيلة، اللهم فاعف عنا وعنهم، ثم قال: إن الله تعالى ما استولى وليا من أمة محمد ﷺ إلّا علّمه القرآن إما ظاهرا وإما باطنا، قيل له: إن الظاهر نعرفه، فالباطن ما هو؟ قال: فهمه، وإن فهمه هو المراد. قال أبو بكر السّجزي: سمع مني هذه الحكاية الجنيد «٣» فقال: صدق سهل، كان عندنا ببغداد عبد أسود عجميّ اللسان، نسأله عن القرآن آية آية، فيجيبنا عن ذلك بأحسن جواب، وهو لا يحفظ القرآن، وتلك دلالة ولايته.
_________
(١) في المستدرك على الصحيحين ٢/ ٣١٧: (.... ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال. فأحلوا حلاله ...) . [.....]
(٢) المدخل إلى السنن الكبرى ص ٢٣٠، رقم ٣٠٧ وجامع العلوم والحكم ص ٩٣.
(٣) الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز (ت ٢٩٧ هـ ٩١٠ م): صوفي، من علماء الدين، مولده ونشأته ووفاته ببغداد. أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد. من آثاره: «رسائل»، و«دواء الأرواح» .
(الحلية ١٠/ ٢٥٥ وتاريخ بغداد ٧/ ٢٤١) .
1 / 19