سُورَةُ النَّحْلِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّحْلِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهِيَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى صَدْرِ هَذِهِ الآيَةِ:
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ [النحل: ٤١] مَكِّيٌّ وَسَائِرُهَا مَدَنِيٌّ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] يَعْنِي: الْقِيَامَةَ.
وَهُوَ تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ: ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٢٩]، وَقَوْلِهِمْ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ [الحج: ٤٧] .
وَقَالَ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١]، أَيْ إِنَّ الْعَذَابَ آتٍ قَرِيبٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: اسْتَعْجَلُوا بِعَذَابِ الآخِرَةِ، وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ وَاسْتِهْزَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] .
قَوْلُهُ: ﴿سُبْحَانَهُ﴾ [النحل: ١] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ.
﴿وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١]، تَعَالَى: مِنَ الْعُلُوِّ، يَرْفَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ.
1 / 49
قَوْلُهُ: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾ [النحل: ٢] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: لَيْسَ يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلا وَمَعَهُ رُوحٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿بِالرُّوحِ﴾ [النحل: ٢]، يَعْنِي: بِالْوَحْيِ.
﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ [النحل: ٢] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بِالرَّحْمَةِ وَالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي: بِأَمْرِهِ.
﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢]، يَعْنِي: الأَنْبِيَاءَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّ أَقْرَبَ الْمَلائِكَةِ إِلَى اللَّهِ إِسْرَافِيلُ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ: جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ، وَقَدْ تَسَرْوَلَ بِالثَّالِثِ، وَالرَّابِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَنْ يُوحِيَهُ جَاءَ اللَّوْحُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا الأَمْرُ مَكْتُوبٌ، فَيُنَادِي جِبْرِيلَ، فَيُلَبِّيهِ فَيَقُولُ: أُمِرْتَ بِكَذَا، أُمِرْتَ
بِكَذَا، فَلا يَهْبِطُ جِبْرِيلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ إِلا فَزِعَ أَهْلُهَا مَخَافَةَ السَّاعَةِ، حَتَّى يَقُولَ جِبْرِيلُ: الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ.
فَيَهْبِطُ عَلَى النَّبِيِّ فَيُوحِي إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢] أَنْ تَعْبُدُوا مَعِي إِلَهًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢]، يَقُولُ: فَاعْبُدُونِ.
﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: ٣] لِلْبَعْثِ، وَالْحِسَابِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ.
﴿تَعَالَى﴾ [النحل: ٣] ارْتَفَعَ.
﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٣] قَوْلُهُ: ﴿خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [النحل: ٤] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ الْمُشْرِكُ.
قَالَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴿٧٧﴾ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿٧٨﴾﴾ [يس: ٧٧-٧٨]
1 / 50
قَوْلُهُ: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا﴾ [النحل: ٥] يَعْنِي: الإِبِلَ، وَالْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ.
﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥] مَا يُصْنَعُ لَكُمْ مِنْهَا مِنَ الْكِسْوَةِ مِنْ أَصْوَافِهَا، وَأَوْبَارِهَا، وَأَشْعَارِهَا.
﴿وَمَنَافِعُ﴾ [النحل: ٥] فِي ظُهُورِهَا.
هَذِهِ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَأَلْبَانُهَا فِي جَمَاعَتِهَا.
قَالَ: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] جَمَاعَتَهَا لُحُومَهَا، وَيُؤْكَلُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السِّمَنُ.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾ [النحل: ٥]، قَالَ: لَكُمْ فِيهَا لِبَاسٌ وَمَنْفَعَةٌ وَبُلْغَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: لِبَاسٌ يُنْسَجُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥]، قَالَ: مِنْهَا مَرَاكِبُ وَلَبَنٌ وَلَحْمٌ.
قَوْلُهُ: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ﴾ [النحل: ٦] حِينَ تَرُوحُ عَلَيْكُمْ مِنَ الرَّعْيِ، وَحِينَ تُسَرِّحُونَهَا إِلَى الرَّعْيِ.
هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ﴾ [النحل: ٦]، يَعْنِي: الإِبِلَ، وَذَاكَ أَعْجَبُ مَا تَكُونُ، إِذَا رَاحَتْ عِظَامًا ضُرُوعُهَا طِوَالا أَسْنِمَتُهَا.
قَوْلُ: ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إِذَا سَرَحْتَ لِرَعْيِهَا.
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ﴾ [النحل: ٧] إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي تُرِيدُونَهُ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: إِنَّهَا الإِبِلُ وَالْبَقَرُ.
﴿إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ﴾ [النحل: ٧] لَوْلا أَنَّهَا تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِي ذَلِكَ الْبَلَدَ
1 / 51
إِلا بِمَشَقَّةٍ عَلَى أَنْفُسِكُمْ.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِلا بِجَهْدِ الأَنْفُسِ.
قَالَ: ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٧]، يَقُولُ: فَبِرَأْفَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ سَخَّرَ لَكُمْ هَذِهِ الأَنْعَامَ وَهِيَ لِلْكَافِرِ رَحْمَةٌ.
الدُّنْيَا: الْمَعَايِشُ، وَالنِّعَمُ الَّتِي رَزَقَهُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ﴾ [النحل: ٨] وَخَلَقَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ.
﴿وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] فِي رُكُوبِهَا.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ.
- حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ، قَالَ: فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْخَيْلِ
- الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﵇.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قِيلَ يَوْمَ خَيْبَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَسَكَتَ، فَقِيلَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَسَكَتَ، فَقِيلَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَأَمَرَ مُنَادِيهِ فَنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا نَجِسٌ.
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَأَلْبَانِهَا.
- أَبُو الرَّبِيعِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أُمِرْنَا بِلُحُومِ الْخَيْلِ وَنُهِينَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ.
وَذُكِرَ عَنِ الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: وَأَبَى الْبَحْرُ قُلْتُ: مَنِ الْبَحْرُ؟ أَوْ قِيلَ: مَنِ الْبَحْرُ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ.
1 / 52
قَالَ: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَالَ: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] مِنَ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ لَكُمْ.
قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] وَالسَّبِيلُ قَصْدُ الطَّرِيقِ، الْهُدَى إِلَى الْجَنَّةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ [الليل: ١٢]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الحجر: ٤١] .
وقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] الْبَيَانُ، حَلالُهُ، وَحَرَامُهُ، وَطَاعَتُهُ، وَمَعْصِيَتُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] الطَّرِيقُ الْحَقُّ عَلَى اللَّهِ.
قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ [النحل: ٩] وَمِنَ السَّبِيلِ جَائِرٌ، أَيْ: عَنِ السَّبِيلِ جَائِرٌ، وَهُوَ الْكَافِرُ، جَارٍ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى.
وَجَارٍ عَنْهَا وَجَارٍ مِنْهَا وَاحِدٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَمِنْكُمْ جَائِرٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: جَائِرٌ مِنَ السَّبِيلِ أَيْ: عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى، نَاكِبٌ عَنْهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ تَفْسِيرُهَا.
قَالَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل: ٩] مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩] وَكَقَوْلِهِ: ﴿أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الرعد: ٣١] أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴿أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [الرعد: ٣١] .
قَوْلُهُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] تَرْعَوْنَ أَنْعَامَكُمْ، تُسَرِّحُونَهَا فِيهِ.
1 / 53
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: تُسِيمُونَ، تَرْعَوْنَ.
قَوْلُهُ: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١١] بِذَلِكَ الْمَاءِ.
﴿الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [النحل: ١١] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بَعْضَ أَشْيَاخِنَا يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَهْبَطَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ ثَلاثِينَ ثَمَرَةً: عَشْرٌ يُؤْكَلُ دَاخِلُهَا وَلا يُؤْكَلُ خَارِجُهَا، وَعَشْرٌ يُؤْكَلُ خَارِجُهَا وَلا يُؤْكَلُ دَاخِلُهَا، وَعَشْرٌ يُؤْكَلُ دَاخِلُهَا وَخَارِجُهَا.
قَالَ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ [النحل: ١١]، يَعْنِي: لَعِبْرَةً، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ.
﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١١] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ: فَالَّذِي يُنْبِتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الْوَاحِدِ هَذِهِ الأَلْوَانَ الْمُخْتَلِفَةَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الأَمْوَاتَ.
قَوْلُهُ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [النحل: ١٢] يَخْتَلِفَانِ عَلَيْكُمْ.
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ﴾ [النحل: ١٢] تَجْرِي.
﴿بِأَمْرِهِ﴾ [النحل: ١٢] يُذَكِّرُ عِبَادَهُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ١٢] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ﴾ [النحل: ١٣] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ وَمَا خَلَقَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ.
﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ [النحل: ١٣] قَالَ الْحَسَنُ: مِنَ النَّبَاتِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الدَّوَابِّ، وَالشَّجَرِ، وَالثِّمَارِ.
قَالَ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ [النحل: ١١] لَعِبْرَةً.
﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٣] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ [النحل: ١٤] خَلَقَ الْبَحْرَ.
﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [النحل: ١٤] قَالَ قَتَادَةُ: حِيتَانُ الْبَحْرِ.
﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [النحل: ١٤] اللُّؤْلُؤَ.
1 / 54
﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾ [النحل: ١٤] السُّفُنَ.
﴿مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَعْنِي سُفُنَ الْبَحْرِ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً تَجْرِي فِيهِ بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلا تَمْخَرُ الرِّيحُ مِنَ السُّفُنِ إِلا الْعِظَامَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ﴿مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل: ١٤] يَعْنِي شَقَّهَا الْمَاءَ فِي وَقْتِ جَرْيِهَا.
قَالَ: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النحل: ١٤] قَالَ مُجَاهِدٌ: طَلَبُ التِّجَارَةِ فِي السُّفُنِ.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ١٤] وَلِكَيْ تَشْكُرُوا، هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ [النحل: ٨١] .
قَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [النحل: ١٥] الْجِبَالَ.
﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] لِئَلا تَحَرَّكَ بِكُمْ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ وَابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَنْ تَكْفَأَ بِكُمْ.
وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
﴿وَأَنْهَارًا﴾ [النحل: ١٥]، أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا.
﴿وَسُبُلا﴾ [النحل: ١٥] طُرُقًا.
﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٥] لِكَيْ تَهْتَدُوا الطَّرِيقَ.
﴿وَعَلامَاتٍ﴾ [النحل: ١٦] جَعَلَهَا فِي طُرُقِهِمْ يَعْرِفُونَ بِهَا الطَّرِيقَ.
1 / 55
﴿وَبِالنَّجْمِ﴾ [النحل: ١٦]، أَيْ: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦]، يَعْنِي: يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ.
وَالنَّجْمُ: جَمَاعَةُ النُّجُومِ الَّتِي يَهْتَدُونَ بِهَا.
النَّضْرُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ بِلالٍ الْعَنْزِيِّ، قَالَ: مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ النُّجُومِ سِوَى هَذِهِ الثَّلاثِ فَهُوَ كَاذِبٌ، آثِمٌ، مُفْتَرٍ، مُبْتَدِعٌ.
قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك: ٥]، قَالَ: ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك: ٥] .
وَقَالَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: ٩٧] .
فَهِيَ مَصَابِيحُ، وَرُجُومٌ، وَتَهْتَدُونَ بِهَا.
قَوْلُهُ: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧]، يَعْنِي: نَفْسَهُ.
﴿كَمَنْ لا يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧]، يَعْنِي: الأَوْثَانَ، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، هَلْ يَسْتَوِيَانِ؟ أَيْ: لا يَسْتَوِي اللَّهُ وَالأَوْثَانُ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ، الَّتِي لا تَمْلِكُ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا.
وَالنُّشُورُ الْبَعْثُ.
﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧]، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُؤْمِنُونَ هُمُ الْمُتَذَكِّرُونَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧] اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ، وَهَذِهِ الأَوْثَانُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تُخْلَقُ وَلا تَخْلُقُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ قَالَ: إِلَهِي، لَوْ كَانَ لِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِي لِسَانَانِ يُسَبِّحَانِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالدَّهْرَ كُلَّهُ مَا أَدَّيْتَ شُكْرَ نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْعَمْتَهَا عَلَيَّ.
قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿١٨﴾ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿١٩﴾﴾ [النحل: ١٨-١٩] مَا يُسِرُّ الْمُشْرِكُونَ مِنْ نَجْوَاهُمْ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ، مَا يَتَشَاوَرُونَ بِهِ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرِهِ.
مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنبياء: ٣] أَشْرَكُوا ﴿هَلْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٣]، يَعْنُونَ مُحَمَّدًا ﴿إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣] أَنَّهُ سِحْرٌ، يَعْنُونَ الْقُرْآنَ.
قَالَ: ﴿وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النحل: ١٩] مِنْ شِرْكِهِمْ وَجُحُودِهِمْ.
1 / 56
﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النحل: ٢٠] الأَوْثَانَ.
﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [النحل: ٢٠] يُصْنَعُونَ، يَصْنَعُونَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾﴾ [الصافات: ٩٥-٩٦] بِأَيْدِيكُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [النحل: ٢٠]، يَعْنِي: وَهُمْ يُصَوَّرُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ [النحل: ٢١] قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الأَوْثَانُ أَمْوَاتٌ لا رَوْحَ فِيهَا.
﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢١] مَتَى يَبْعَثُونَ، يَعْنِي الْبَعْثَ.
إِنَّ الأَوْثَانَ تُحْشَرُ بِأَعْيَانِهَا فَتُخَاصِمُ عَابِدَهَا عِنْدَ اللَّهِ بِأَنَّهَا لَمْ تَدْعُهُمْ إِلَى عِبَادَتِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَتِهَا الشَّيَاطِينُ.
قَالَ: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا﴾ [النساء: ١١٧] إِلا مَوَاتًا، شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ رَوْحٌ، ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾ [النساء: ١١٧] .
قَوْلُهُ: ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ [النحل: ٢٢] لا يُصَدِّقُونَ بِالآخِرَةِ.
﴿قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ﴾ [النحل: ٢٢] له.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لِهَذَا الْقُرْآنِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٢٢] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَعَنْ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنِ الْقُرْآنِ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿لا جَرَمَ﴾ [النحل: ٢٣] وَهِيَ كَلِمَةُ وَعِيدٍ.
﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [النحل: ٢٣] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
1 / 57
﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: ٢٣] .
قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤]، إِذَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤] .
﴿قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] وَإِنَّمَا ارْتَفَعَتْ لأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ.
وَهَذِهِ حِكَايَةٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ، وَلَيْسَ يُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابًا، وَيَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ افْتَرَاهُ مِنْ عِنْدِهِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ ذَلِكَ نَاسٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا يَتَصَدَّوْنَ بِالطَّرِيقِ مَنْ أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُرِيدُ نَبِيَّ اللَّهِ قَالُوا: إِنَّمَا هُوَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، أَيْ: كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: إِنَّ الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا عَلَى أَعْقَابِ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ، أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: مَنْ سَأَلَكُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنَ النَّاسِ وَقَدْ كَانَ حَضَرَ الْمَوْسِمَ.
فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ النَّاسَ سَائِلُوكُمْ عَنْهُ غَدًا بَعْدَ الْمَوْسِمِ، فَمَنْ سَأَلَكُمْ عَنْهُ مِنَ النَّاسِ فَلْيَقُلْ بَعْضُكُمْ: سَاحِرٌ، وَلْيَقُلِ الآخَرَانِ: كَاهِنٌ، وَلْيَقُلِ الآخَرُونَ: شَاعِرٌ، وَلْيَقُلِ الآخَرُونَ: مَجْنُونٌ يَهْذِي مِنْ أُمِّ رَأْسِهِ.
فَإِنْ رَجَعُوا بِذَا وَرَضَوْا بِقَوْلِكُمْ فَذَاكَ، وَإِلا لَقُونِي عِنْدَ الْبَيْتِ، فَإِذَا سَأَلُونِي صَدَّقْتُكُمْ كُلَّكُمْ.
فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ مَعَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ.
فَقَالَ: إِذَا سَأَلُوكُمْ عَنِّي فَكَذَبُوا عَلَيَّ، فَحَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا أَقُولُ.
فَكَانَ إِذَا سُئِلَ الْمُشْرِكُونَ مَا صَاحِبُكُمْ؟ فَقَالُوا: سَاحِرٌ، فَقَالَ الأَرْبَعَةُ الَّذِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: انْطَلِقُوا، بَلْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ ذِي الْقَرَابَةِ وَبِأَنْ يُقْرَى الضَّيْفُ، وَأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ، فِي كَلامٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ، فَيَقُولُ النَّاسُ لِلْمُسْلِمِينَ: وَاللَّهِ مَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ أَحْسَنُ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ، وَاللَّهِ لا نَرْجِعُ حَتَّى نَلْقَاهُ، فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤]، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] .
1 / 58
قَالَ: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾ [النحل: ٢٥] آثَامَهُمْ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُنُوبَهُمْ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
﴿كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النحل: ٢٥]، يَعْنِي: الَّذِينَ قَالُوا: أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ.
﴿وَمِنْ أَوْزَارِ﴾ [النحل: ٢٥] قَالَ قَتَادَةُ: وَمِنْ ذُنُوبِ.
﴿الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ﴾ [النحل: ٢٥] وقَالَ السُّدِّيُّ: وَمِنْ آثَامِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥]، أَيْ: بِئْسَ مَا يَحْمِلُونَ، يَحْمِلُونَ آثَامَ أَنْفُسِهِمْ وَمِثْلَ آثَامِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الضَّلالِ وَاتَّبَعُوهُمْ عَلَيْهِ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] يَحْمِلُونَ آثَامَ أَنْفُسِهِمْ وَمِثْلَ آثَامِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الضَّلالَةُ فَاتَّبَعُوهُمْ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ شَيْءٌ.
- أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَن، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ وَلا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَاتُّبِعَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ لا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا»
قَوْلُهُ: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: ٢٦]، يَعْنِي: الَّذِينَ أَهْلَكَ بِالرَّجْفَةِ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، رَجَفَتْ بِهِمُ الأَرْضُ.
﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] تَنَاقَضَتْ سُقُوفُ مَنَازِلِهِمْ عَلَيْهِمْ.
﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَاهَا أَمْرُ اللَّهِ مِنْ أَصْلِهَا، ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] وَالسَّقْفُ: أَعَالِي الْبُيُوتِ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ بُيُوتُهُمْ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: يَعْنِي مَكْرَ نُمْرُودَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مَكْرُ نُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ.
1 / 59
قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧] فِي النَّارِ بَعْدَ عَذَابِ الدُّنْيَا.
﴿وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾ [النحل: ٢٧]، أَيِ: الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَائِي.
﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧] تُفَارِقُونَ فِيهِمْ، يَعْنِي: الْمُحَارَبَةَ وَالْعَدَاوَةَ.
عَادُوا اللَّهَ فِي الأَوْثَانِ فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧]، يَعْنِي: تُحَاجُّونَ فِيهِمْ.
﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [النحل: ٢٧] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ﴾ [النحل: ٢٧]، يَعْنِي: إِنَّ الْهَوَانَ الْيَوْمَ.
﴿وَالسُّوءَ﴾ [النحل: ٢٧]، يَعْنِي: الْعَذَابَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [النحل: ٢٧] وَهَذَا الْكَلامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النحل: ٢٨] قَالَ بَعْضُهُمْ: تَوَفَّاهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ وَفَاةٌ إِلَى النَّارِ، حَشْرٌ إِلَى النَّارِ.
﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾ [النحل: ٢٨] تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: اسْتَسْلِمُوا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فَأَعْطُوا الإِسْلامَ، أَسْلَمُوا فَلَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
وَقَالَ: إِنَّ فِي الْقِيَامَةِ مَوَاطِنَ، فَمِنْهَا مَوْطِنٌ يُقِرُّونَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٠]، وَمِنْهَا مَوْطِنٌ يَجْحَدُونَ فِيهِ فَقَالُوا: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النحل: ٢٨] .
فقيل لهم: ﴿بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٢٨] فِي الدُّنْيَا أَنَّكُمْ مُشْرِكُونَ.
وَقَالُوا: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] .
قَالَ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ٢٤] فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُشْرِكِينَ، ﴿وَضَلَّ
1 / 60
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٤] مِنْ عِبَادَتِهِمُ الأَوْثَانَ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا.
وَإِنَّ آخِرَهَا مَوْطِنًا أَنْ يُخْتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَكَلَّمَ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدَ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، يَعْمَلُونَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النحل: ٢٨]، يَعْنِي: مِنْ شِرْكٍ.
قَوْلُهُ: ﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ [النحل: ٢٩] .
قَدْ فَسَّرْنَاهَا قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [النحل: ٢٩] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.
قَالَ: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا﴾ [النحل: ٣٠]، أَيْ: أَنْزَلَ خَيْرًا.
ثُمَّ انْقَطَعَ الْكَلامُ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ [النحل: ٣٠] آمَنُوا.
﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠]
- هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيٍّ فِي تَفْسِيرِهَا نَحْوَ ذَلِكَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَقُولُ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا تَكُونُ لَهُمْ حَسَنَتَهُمْ فِي الآخِرَةِ الْجَنَّةُ.
قَالَ: ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [النحل: ٣٠] مِنَ الدُّنْيَا.
﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ [النحل: ٣٠] الْجَنَّةُ.
قَالَ: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [النحل: ٣١] وَقَدْ فَسَّرْنَا (عَدْنٍ) قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
نُسِبَتِ الْجِنَانُ كُلُّهَا إِلَيْهَا.
قَالَ: ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴿٣١﴾ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ [النحل: ٣١-٣٢] تَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ.
﴿طَيِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٢]
1 / 61
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ.
﴿يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٣٢] حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَأْتِي وَلِيَّ اللَّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ، اللَّهُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ.
وَتُبَشِّرُهُ بِالْجَنَّةِ.
قَالَ يَحْيَى: فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ [النحل: ٣٢] .
الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ.
- إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " الدَّرَجَةُ فَوْقَ الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَرْفَعُ بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ لَهُ بَرْقٌ يَكَادُ أَنْ يَخْتَطِفَ بَصَرَهُ، فَيَفْزَعُ لِذَلِكَ فَيَقُولُ: مَا هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا نُورُ أَخِيكَ فُلانٍ، فَيَقُولُ: أَخِي فُلانٌ، كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَعْمَلُ جَمِيعًا وَقَدْ فُضِّلَ عَلَيَّ هَكَذَا.
فَيُقَالُ لَهُ إِنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْكَ عَمَلا.
ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قَلْبِهِ الرِّضَى حَتَّى يَرْضَى ".
قَوْلُهُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ [النحل: ٣٣] مَا يَنْظُرُونَ.
﴿إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ [النحل: ٣٣] وَهُوَ عِنْدَ الْمَوْتِ.
﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [النحل: ٣٣] ذَاكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَهَذَا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ [النحل: ٣٣] بِعَذَابِهِمْ، يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [النحل: ٣٣]، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى الَّتِي يُهْلِكُ اللَّهُ بِهَا آخِرَ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ عَذَابِ الآخِرَةِ.
قَالَ: ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النحل: ٣٣] كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا كَذَّبَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ.
قَالَ: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: ٣٣] يَضُرُّونَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُنْقِصُونَ.
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾ [النحل: ٣٤] ثَوَابُ مَا عَمِلُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ عَذَابُ مَا عَمِلُوا مِنَ الشِّرْكِ.
1 / 62
﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [النحل: ٣٤] ثَوَابُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِالرُّسُلِ.
قَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٣٥] وَهُوَ مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَام، وَالزَّرْعِ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٦] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَالُوا: لَوْ كَرِهَ اللَّهُ هَذَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ لَحَوَّلَنَا عَنْهُ.
فَقَالَ اللَّهُ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ﴾ [النحل: ٣٥] .
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُم فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ مِثْلُ هَذَا فَقَالَ: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨]، أَيْ: مِنْ حُجَّةٍ، أَنَّهُ لا يَكْرَهُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ﴾ [الأنعام: ١٤٨] .
وَقَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النحل: ٣٣] يَعْنِي: فَمَا ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ﴾ [النحل: ٣٥] .
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
﴿إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل: ٣٥] .
قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا﴾ [النحل: ٣٦]، يَعْنِي: مِنْ أَهْلِكَ بِالْعَذَابِ.
﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ، هُوَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾ [النساء: ١١٧] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، يَعْنِي: وَاجْتَنِبُوا الأَوْثَانَ.
قَالَ: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ [النحل: ٣٦] كَقَوْلِهِ: ﴿شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] .
﴿فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٦] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧]
1 / 63
كَقَوْلِهِ: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦] .
حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ.
قَالَ حَمَّادٌ: وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: لا يُهْدَى مَنْ يُضِلُّ.
حَدَّثَنِي فِطْرٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَلْقَمَةَ أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧]، أَيْ: مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِيهِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْحِرْصِ كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦] .
قَالَ: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [النحل: ٣٧] إِذَا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
قَوْلُهُ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨] قَالَ: ﴿بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ﴾ [النحل: ٣٨] لَيَبْعَثَنَّهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿حَقًّا﴾ [النحل: ٣٨] فَأَقْسَمَ بِقَوْلِهِ: ﴿حَقًّا﴾ [النحل: ٣٨] .
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴿٣٨﴾ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ [النحل: ٣٨-٣٩] مَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا، الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ [النحل: ٣٩] بِقَوْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا: ﴿لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨] .
قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠] قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠] .
1 / 64
قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ﴾ [النحل: ٤١] إِلَى الْمَدِينَةِ.
﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ [النحل: ٤١] مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مِنْ مَكَّةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] .
وَقَالَ السِّدِّيُّ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ [النحل: ٤١]، يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مَا عُذِّبُوا عَلَى الإِيمَانِ.
قَالَ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٤١] الْمَدِينَةَ مَنْزِلا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ [النحل: ٤١] لَنَرْزُقُهُمْ ﴿فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٤١] .
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَنُعْطِيَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا النَّصْرَ.
﴿وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ﴾ [النحل: ٤١] الْجَنَّةُ.
﴿أَكْبَرُ﴾ [النحل: ٤١] مِنَ الدُّنْيَا.
﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤١] لَعَلِمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الْمُؤْمِنِينَ فِي الآخِرَةِ أَفْضَلَ مِمَّا يُعْطِي فِي الدُّنْيَا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَؤُلاءِ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ، ظَلَمَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، حَتَّى لَحِقَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ بِالْحَبَشَةِ، ثُمَّ بَوَّأَهُمُ اللَّهُ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: ٤٢] قَالَ الْحَسَن: وَهُمُ الَّذِينَ ﴿هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ [النحل: ٤١] .
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ هَؤُلاءِ صُهَيْبٌ، وَخَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، وَبِلالٌ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَفُلانٌ مَوْلَى ابْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ، أُخِذُوا بَعْدَمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، فَعَذَّبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ، فَعُذِّبُوا حَتَّى بَلَغُوا مَجْهُودَهُمْ.
قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]
1 / 65
يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ.
قَالَ الْحَسَن: يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي أَهْلَ التَّوْرَاةِ، هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣]، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا.
﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ [الأنبياء: ٨]، يَقُولُ: وَلَكِنْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨] مَا كَانُوا لا يَمُوتُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤] قَالَ السُّدِّيُّ: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [النحل: ٤٤]، يَعْنِي: بِالآيَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَجِيءُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ إِلَى قَوْمِهِمْ.
قَالَ: ﴿وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤]، يَعْنِي: وَحَدِيثُ الْكِتَابِ وَمَا كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمَوَاعِظِ.
قَالَ يَحْيَى: وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، الْكُتُبِ، إِلا رِجَالا يُوحَى إِلَيْهِمْ.
قَالَ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ [النحل: ٤٤] الْقُرْآنَ.
﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] قَوْلُهُ: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾ [النحل: ٤٥] عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ.
وَالسَّيِّئَاتُ هَاهُنَا: الشِّرْكُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ: ﴿أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ﴿٤٥﴾ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ [النحل: ٤٥-٤٦] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فِي الْبِلادِ فِي أَسْفَارِهِمْ فِي غَيْرِ قَرَارٍ.
﴿فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [النحل: ٤٦] بِسَابِقِينَ.
1 / 66
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] يُهْلِكُ الْقَرْيَةَ، يُخَوِّفُ بِهَلاكِهَا الْقَرْيَةَ الأُخْرَى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، لَعَلَّ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِهِمْ، الشِّرْكِ، أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الإِيمَانِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَوْ يَأْخُذُهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فِي الْبِلادِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] عَلَى تَنَقُّصٍ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
أَنْ يَبْتَلِيَهُمُ بِالْجُهْدِ حَتَّى يَرِقُّوا وَيَقِلُّ عَدَدُهُمْ، فَإِنْ تَابُوا وَأَصْلَحُوا كَشَفَ عَنْهُمْ.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٧]، أَيْ: إِنْ تَابُوا وَأَصْلَحُوا.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾ [النحل: ٤٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] بَعْضُ مَا أَوْعَدَهُمْ مِنْ هَذَا، وَهُوَ نُمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ وَقَوْمُهُ.
قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ﴾ [النحل: ٤٨]، يَعْنِي: ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ، مِنَ الْفَيْءِ.
﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨] وَالْفَيْءُ: الظِّلُّ.
قَالَ الْحَسَنُ: رُبَّمَا كَانَ الْفَيْءُ عَنِ الْيَمِينِ، وَرُبَّمَا كَانَ عَنِ الشِّمَالِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَهَذَا يَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الظِّلُّ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ فِي سَاعَةٍ إِلا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨] أَمَّا الْيَمِينُ فَأَوَّلُ النَّهَارِ، وَأَمَّا الشَّمَائِلُ فَآخِرُ النَّهَارِ.
قَوْلُهُ: ﴿سُجَّدًا لِلَّهِ﴾ [النحل: ٤٨] فَظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ سُجُودُهُ.
﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [النحل: ٤٨] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُمْ صَاغِرُونَ.
فَسَجَدَ ظِلُّ الْكَافِرِ كَرْهًا، يَسْجُدُ ظِلُّهُ وَالْكَافِرُ كَارِهٌ.
1 / 67
قَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ﴾ [النحل: ٤٩] الْمَلائِكَةُ.
﴿وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٤٩] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ يَعْنِي الْمَلائِكَةَ.
﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿٥٠﴾ وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل: ٥٠-٥١]، أَيْ: لا تَعْبُدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ.
﴿إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: ٥١] فَخَافُونِ.
قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] سَعِيد، عَن قَتَادَةَ، قَالَ: دَائِمًا.
جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: دَائِمًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ [النحل: ٥٢]، يَعْنِي: تَعْبُدُونَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ قَدْ فَعَلْتُمْ فَعَبَدْتُمُ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ.
قَوْلُهُ: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ [النحل: ٥٣] الْمَرَضُ وَذِهَابُ الأَمْوَالِ وَالشَّدَائِدُ.
﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: ٥٣] تَدْعُونَهُ وَلا تَدْعُونَ الأَوْثَانَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَجْأَرُونَ، تَصْرُخُونَ.
قَالَ: ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٥٤]، يَعْنِي بِالْفَرِيقِ: الْمُشْرِكِينَ.
﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٥] يَعْنِي لِئَلا يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
1 / 68