[22.32-37]
{ ذلك ومن يعظم شعائر الله } وهي الهدي لأنها من معالم الحج أن يختارها عظام الأجرام حسانا سمانا غالية الأثمان، وقيل: مناسك الحج كلها شعائر، وقيل: شعائر الله دينه كالصلاة والصوم والحج ونحوها { فإنها } يعني هذه الخصال التي ذكرت { من تقوى القلوب } قيل: أراد صدق النية والله أعلم { لكم فيها منافع } يعني في الشعائر منافع قيل: الهدايا، وقيل: مشاهدة مكة، فمن قال بالأول قال ذلك ما لم يسم هديا ونذرا فإذا سمي هديا فلا يجوز الانتفاع بها، وقيل: له ركوب ظهرها وشرب لبنها إذا احتاج { إلى أجل مسمى } إلى أن تنحر، وقيل: إلى أجل مسمى يوم القيامة { ثم محلها } أي سخرها { إلى البيت العتيق } كقوله هديا بالغ الكعبة { ولكل أمة جعلنا منسكا } عبارة عن الذبح، وقيل: متعبدا أي فعل ذلك { ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } وهي الإبل والبقر والغنم وسميت بهيمة لأنها لا تكلم { فإلهكم إله واحد فله أسلموا } أي انقادوا له { وبشر المخبتين } ، قيل: الخاشعين، وقيل: المتواضعين { الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } أي ذكروا وعده ووعيده خافوا عقابه { والصابرين على ما أصابهم } من المحن من جهة الله تعالى: { والمقيمي الصلاة } يعني يقيمون فرائضها { ومما رزقناهم ينفقون } في سبيل الله...... إلى ذكر الشعائر فقال سحبانه: { والبدن جعلناها لكم } وفي الكلام حذف كأنه قال نحر البدن { من شعائر الله } قيل: معالم دينه { لكم فيها خير } قيل: أراد ثواب الآخرة، { فاذكروا اسم الله عليها } أي عند نحرها، وهي التسمية، وقال ابن عباس: هو أن يقول الله أكبر { صواف } قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن، وقرئ صوافي من صفوف الفرس وهو أن تقوم على ثلاث وتنصب الرابع على طرف، وقرئ صوافي أي خوالص لوجه الله { فإذا وجبت جنوبها } أي سقطت على الأرض منحورة وسكنت بسابسها حل لكم الأكل منها { وأطعموا القانع } السائل من قنعت إليه إذا خضعت وسألته { والمعتر } المتعرض بغير سؤال، وقيل: القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال، والمعتر المتعرض بالسؤال، وروي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن ذلك فقال: القانع الذي يقنع بما أعطي والمعتر الذي يعتر الأبواب، وقيل: القانع الذي لا يسأل والمعتر الذي يسأل { كذلك } تم الكلام ها هنا أي كذلك فافعلوا كما أمرتكم فانحروا، وقيل: يتصل بما قدم، أي هكذا إذا ذللنا البدن مع شدة خلقها وقوتها وضعفكم { لعلكم تشكرون } أي لكي تشكروا الله على هذه النعم { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } قيل: لن يصل إلى الله لحومها أي لن يقبل ذلك ولكن يقبل التقوى، وقيل: لن يبلغ رضى الله لحومها ولا دماؤها ولكن يبلغه التقوى منكم وهو إخلاص العبادة { كذلك سخرها لكم } أي هكذا سخر الله لكم البدن مع عظمها لتعبدوه وتطيعوه { لتكبروا الله } أي تعظموه { على ما هداكم } لإعلام دينه ومناسكه، وقيل: هداكم لوجه العبادة في نحرها وذبحها، وقيل: هو أن تقول: الله أكبر { وبشر المحسنين } قيل: بشرهم بحب الله إياهم لقوله: { والله يحب المحسنين } ، وقيل: بالجنة، وقيل: بأداء الفرائض.
[22.38-44]
{ إن الله يدافع عن الذين آمنوا } ، قيل: شدائد الدنيا بأن ينصرهم ويأمر بتعظيمهم، معناه يبالغ بالدفع عنهم { أذن للذين يقاتلون } قرأ بنصب التاء نافع، وبكسرها أبو عمرو وابن كثير، والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة { بأنهم ظلموا } أي بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان مشركوا مكة يؤذونهم أذى كثيرا، وكانوا يأتون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين مضروب ومستجرح يتظلمون اليه فيقول لهم:
" اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال "
حتى هاجر، ونزلت الآية وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية، وقيل: نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركوا مكة فأذن لهم في مقاتلتهم { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } بالجهاد وإقامة الحدود يعني إظهاره وتسليط المسلمين على الكفار بالمجاهدة، ولولا ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعا ولا لرهبانهم صوامع ولا لليهود صلوات ولا للمسلمين مساجد، وتغلب المشركون في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين وسميت الكنيسة صلاة لأنه يصلى فيها { ولينصرن الله من ينصره } أي ينصر دينه وأولياءه، يعني ومن ينصر أولياءه { إن الله لقوي } يعني قادر { عزيز } لا يغالب { الذين إن مكناهم في الأرض } قيل: هم
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم
[الحشر: 8]، وقيل: هم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: أهل الصلوات الخمس، وقيل: هذه الأمة { أقاموا الصلاة } أي أداموها { وآتوا الزكاة } { ولله عاقبة الأمور } أي أمور الخلق ومصيرهم اليه يوم القيامة { وإن يكذبوك } فيما أتيتهم من الدين { فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود } { وقوم إبراهيم وقوم لوط } { وأصحاب مدين } وهم قوم شعيب { وكذب موسى } ولم يقل قومه لأن قومه بنو إسرائيل لعنوا وإنما كفر فرعون وقومه { فأمليت للكافرين } أي أمهلتهم ولم أعجل بالهلاك لإقامة الحجة عليهم { ثم أخذتهم } بالعذاب { فكيف كان نكير } عليهم، وقيل: فكيف كان نكير ألم أبدلهم بالنعمة نقمة وبالكثرة قلة، وبالحياة هلاكا وبالعمارة خرابا.
[22.45-51]
{ فكأين من قرية } أي كم من قرية { أهلكناها وهي ظالمة } أي أهلكناها ظالمة { فهي خاوية على عروشها } قيل: ساقطة على سقوفها، أي تهدمت الحيطان على السقوف، وقيل: خالية عن أهلها، قال جار الله (رحمه الله تعالى): { وبئر معطلة } متروكة مخلاة من أهلها { وقصر مشيد } قيل: رفيع طويل، والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطلناها عن سقائها وقصر مشيد، قال جار الله: والمشيد المجصص المرتفع البنيان، وروي أن هذه بئر نزل عليها صالح مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به ونجاهم الله من العذاب وهم بحضرموت، وإنما سميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات، وثم بلد عند البئر اسمها حاصوراء بناها قوم صالح، وأمروا عليها جهلس بن حلاس فأقاموا بها زمانا، ثم كفروا وعبدوا صنما، وأرسل الله اليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه، فأهلكهم الله وعطل بئرهم وخرب قصورهم { أفلم يسيروا في الأرض } يحتمل أنهم لم يسافروا فحثوا على السفر ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم ويحتمل أن يكونوا قد سافروا وراء ذلك ولكن لم يعتبروا فجعلوا كأن لم يسافروا ولم يروا { فتكون لهم قلوب يعقلون بها } ما يجب أن يعقل من التوحيد ويسمعون ما يجب أن يسمع من الوحي { فإنها لا تعمى الأبصار } يعني أبصار هؤلاء الكفار { ولكن تعمى القلوب } حيث لم يتفكروا { التي في الصدور } ، وقيل: أراد بالعمي الضلال، يعني ضل القلب دون البصر، وذكر الصدر تأكيدا { ويستعجلونك بالعذاب } نزلت في النضر بن الحارث واستعجالهم بالعذاب ردا وكذبا { ولن يخلف الله وعده } لن يخلف الله شيئا، وذلك أنهم وعدوا وعدا ولن يخلف الله شيئا منه وهذا يوم بدر أو يوم القيامة { وإن يوما عند ربك } يعني يوم القيامة { كألف سنة مما تعدون } قيل: يوم من أيام الآخرة كألف سنة من أيام الدنيا، وقيل: أن يوما في مقدار العذاب في ذلك اليوم لشدته كمقدار عذاب ألف سنة من أيام الدنيا، وقيل: أراد الطول ووقوف العبد للمحاسبة يوم القيامة، ومتى قيل: كيف يصح ذكر اليوم في الآخرة لا نهار ولا ليل؟ قالوا: يحتمل أن يكون هناك علامة إذا بلغ ذلك القدر سمي يوما فيكون مقداره في الدنيا ألف سنة { وكأين من قرية أمليت لها } أي أمهلت لها { وهي ظالمة } أي أهلها فلم أعاجلها بالعذاب للمصلحة { ثم أخذتها } بالعذاب { وإلي المصير } للجميع فيه أن طول الإمهال لا يعتبر به { قل } يا محمد { يأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين } نذير مخوف بالعذاب لمن عصى ومبشرا بالجنة لمن أطاع { فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم } ، قيل: نعيم الجنة وهو أكرم نعيم وأكبر دار { والذين سعوا } على طمع { في آياتنا } في إعجاز الرسول والمؤمنين فأضافه إلى نفسه تعظيما، وقيل: مقدرين أن يعجزوا الله ولن يعجزوه، وقيل: مغالبين، وقيل: سابقين، وقيل: يعجزون المؤمنين، وقرأ ابن كثير معجزين بالتشديد { أولئك أصحاب الجحيم } يعني الملازمون لجهنم خالدين فيها.
Неизвестная страница