{ قالوا حرقوه وانصروه آلهتكم إن كنتم فاعلين } قيل: إن كنتم تفعلون الانتصار منه لآلهتكم فليس الإحراق، قال جار الله: اجمعوا رأيهم لما غلبوا بإهلاكه، وهكذا المبطل إذا نزعت شبهته بالحجة وافتضح لم يكن أحدا أبغض إليه من المحق، ولم يبق له مفزع إلا المناصبة كما فعلت قريش برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين عجزوا عن المعارضة، والذي أشار بتحريقه رجل من أكراد فارس فخسف الله به الأرض، وقيل: الذي أشار بتحريقه نمرود، وروي أنهم حين هموا بإحراقه حبسوه ثم بنوا بيتا كالحصيرة بكوثى، وجمعوا شهرا أصناف الخشب الصلاب حتى كانت المرأة لتمرض فتقول: لئن عافاني الله لأجمعن حطبا لإبراهيم، ثم أشعلوا نارا عظيمة كانت الطير تحرق في الجو من وهجها، ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فرموا به فيها فنادى جبريل (عليه السلام): { يا نار كوني بردا وسلاما } وحكي ما احترق منه إلا وثاقه، وقال له جبريل حين رمي به: هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال: فسل ربك، قال: حسبه من سؤالي علمه بحالي، وعن ابن عباس: إنما نجي بقوله حسبنا الله ونعم الوكيل، وأطل عليه نمرود من الصرح فإذا هو في روضة ومعه جليس له من الملائكة فقال: إني مقرب إلى إلهك فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم، وكان إبراهيم ابن ستة عشر سنة، واختار المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب وأقطع، ومن ثم قالوا: { إن كنتم فاعلين } أي إن كنتم ناصرين آلهتكم { بردا وسلاما } والمعنى ذات برد وسلام، والمراد ابردي فسلم منك إبراهيم، وعن ابن عباس: لو لم يقل ذلك لأهلكه بردها { وأرادوا به كيدا } أرادوا أن يكيدوه ويمكروا به فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين { ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } ، قيل: أمرهما بالهجرة إلى الشام ليعلم الناس الذي قيل: إلى أرض مكة، وقيل: أرض بيت المقدس، وقيل: نجاهما من العراق إلى الشام، وبركاته لأن أكثر الأنبياء يعثرا فيها نشرت في العالمين شرائعهم، وقيل: بارك الله فيه بكثرة الماء والشجر والخصب وطيب عيش الغني والفقير، وعن سفيان أنه خرج إلى الشام فقيل له: إلى أين؟ فقال: إلى بلد يملأ فيه الجراب بدرهم، وقيل: ما من ماء عذب إلا وينبع من أصله من تحت الصخرة إلى بيت المقدس، وروي أنه نزل بفلسطين ولوطا بالمؤتفكات وبينهما مسير يوم وليلة { ووهبنا له اسحاق ويعقوب نافلة } النافلة ولد الولد، وقيل: سأل إسحاق فأعطيه وأعطي يعقوب، نافلة أي زيادة وفضلا من غير سؤال { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } يعني أنبياء يقتدى بهم، يهدون بأمرنا يدعون الناس إلى الدين ويرشدونهم إلى الشرائع { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } الطاعات والشرائع وكذلك { إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين } أي مخلصين في العبادة.
[21.74-82]
{ ولوطا آتيناه حكما } ، قيل: الفصل بالحق، وقيل: النبوة، وقيل: إصابة الحق { وعلما } أي علما بالدين وما يحتاج إليه { ونجيناه من القرية } هي سدوم وهي { التي كانت تعمل الخبائث } يعني أهلها { إنهم كانوا قوم سوء فاسقين } خارجين عن طاعة الله، قيل: كانوا يأتون الذكور في أدبارهم ويتضارطون في أيديتهم، وقيل: الكفر وسائر القبائح { وأدخلناه في رحمتنا } ، قيل: الرحمة، النجاة، وقيل: النبوة { إنه من الصالحين } ثم عطف قصة داوود ونوح على ما تقدم فقال سبحانه: { ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له } في دعائه { فنجيناه وأهله } يعني من آمن به { من الكرب العظيم } من العذاب والغرق الذي نزل بقومه { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } أي نصرناه على القوم، وقيل: متعناه بالنصر منهم حتى لم يصلوه بسوء، ثم عطف قصة داوود على قصة نوح فقال سبحانه: { وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } ، قيل: كان زرعا وقع فيه الغنم ليلا، وقيل: كان كرما قيل: شرعا في الحكم من غير قطع { إذ نفشت فيه غنم القوم } أي رعته فأفسدته { وكنا لحكمهم شاهدين } لا يغيب عنا { ففهمناها سليمان } أي فتحنا له طريق الحكومة، وقيل: فهم سليمان قيمة ما أفسدت الغنم، ويقال: كيف كان قصة الحرث وما الذي حكما به؟ قالوا: إنهما اختصما إليه صاحب الحرث وصاحب الغنم الذي أفسدت الحرث فحكم داوود بالغنم لصاحب الحرث، فقال سليمان وهو ابن اثني عشر سنة غير هذا أرفق بالفريقين، فعزم عليه ليحكمن فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بها بألبانها وأولادها وأصوافها، والحرث إلى أرباب الشاء يقومون عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد ثم يترادان، فقال: القضاء ما قضيت وأمضى الحكم ، فإن قيل حكما بوحي أم باجتهاد؟ قيل: جميعا بالوحي، وقيل: اجتهدا جميعا فجاء اجتهاد سليمان أشد بالصواب، وفي قوله: { ففهمناها سليمان } دليل على أن الصواب كان مع سليمان، وفي قوله: { وكلا آتينا حكما وعلما } دليل على أنهما كانا جميعا على الصواب { وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن } فإن قيل: لم قدم الجبال على الطير؟ قيل: تسبيحها وتسخيرها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز لأنها جماد { والطير } حيوان ناطق، روي أنه كان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه، وقيل: كانت تسير معه حيث سار، قال جار الله: فإن قلت: كيف تنطق الجبال وتسبح؟ قلت: لأن الله يخلق فيها الكلام كما خلقه في الشجرة حين كلم موسى، وجواب آخر وهو أن يسبح من رآها تسير بسير الله فكما حملت على التسبيح وصفت { وكنا فاعلين } أي قاصرين على أن نفعل هذا { وعلمناه صنعة لبوس لكم } يعني الدروع، وروي أن أول من صنع الدروع داوود، والله تعالى جعل الحديد في يده كالعجين كما قال:
وألنا له الحديد
[سبأ: 10]، قيل: أن داوود سأل ملكا ماذا يقول له أهل السماء، قال: يقولون: نعم العبد لو أكل من كسب يده، فسأل الله أن يعلمه كسبا فعلمه صنعة الدروع { لتحصنكم من بأسكم } لتحرزكم وتمنعكم من بأسكم، أي من حربكم، قرئ بالنون والياء فالنون لله عز وجل والياء لداوود والملتزمين { فهل أنتم شاكرون } على هذه النعم؟ ثم عطف قصة سليمان (عليه السلام) على ما تقدم من القصص فقال سبحانه: { ولسليمان الريح عاصفة } شديدة الهبوب، وقيل: كيف الجمع بين قوله عاصفة ورخاء في موضع آخر؟ قالوا: أراد أن سخر له الريح فكان يجري كيف شاء إن ما سهلا وإن ما شديدا كالراكب فرسه في يده لجامه يصرفه كيف شاء مرة سيرا ومرة ركضا { تجري بأمره } بأمر سليمان { إلى الأرض التي باركنا فيها } ، قيل: أرض الشام بارك فيها الخصب لأنها مكان الأنبياء وكانت الريح تسير به إلى الغداة سير شهر وفي الرواح كذلك، وكان يسكن ببعلبك وبيتا له ببيت المقدس فيحتاج إلى الخروج إليها أو إلى غيرها، وعن وهب: كان سليمان يخرج إلى مجلسه فيعكف له الطير ويقومن له الانس والجن حتى يجلس على سريره، ويجتمع معه جنوده وما يحتاج إليه من الآلات ثم تحمله الرياح إلى حيث أراد { وكنا بكل شيء عالمين } فنفعل ما فعلنا لما رأينا من المصلحة { ومن الشياطين من يغوصون له } أي سخرنا من الشياطين من يغوصون له تحت الماء في البحار فيخرجون الجواهر واللآلئ { ويعملون عملا دون ذلك } مثل بناء المدائن والقصور واختراع الصنائع العجيبة كما
يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل
[سبأ: 13] { وكنا لهم حافظين } والله حافظهم أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يغيروا أو يؤخذ منهم فساد فيما هم فيه.
[21.83-88]
{ وأيوب إذ نادى ربه } لما اشتدت المحنة به وانقرضت أحواله ونفدت أولاده وسوس له الشيطان بما ضيق صدره فدعا ربه وكان أيوب (عليه السلام) من ولد إسحاق بن يعقوب وقد استثناه الله وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله، وكان له سبعة بنين وسبع بنات، وكان له أصناف البهائم وخمس مائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد، فأبلاه بذهاب ولده، انهدم عليهم البيت فهلكوا، وبذهاب ماله، وبالمرض في بدنه ثمان عشرة سنة، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وقيل: سبع سنين، وقيل: أربعون، وقيل: ثمانون سنة { وآتيناه أهله } ورد الله عليه أهله وجميع ماله { ومثلهم معهم رحمة من عندنا } أي نعمة منا عليه { وذكرى للعابدين } أي لكل مؤمن في الصبر والانقطاع إلى الله والتوكل عليه لأن كل من تذكر أمر أيوب سهل عليه الأمر وهان عليه المحن، وقيل: لئلا يعجبوا بعبادتهم إذا علموا حال أيوب، وقيل: ليقتدي به أهل البلاء ويعلموا أن عاقبة الصبر محمودة { وإسماعيل } هو أكبر ولد إبراهيم وأمه هاجر، وقيل: هو الذبيح، قال في الحاكم: وهو الصحيح { وذا الكفل } هو الياس، وقيل: زكريا، وقيل: يوشع بن نون، قال جار الله: كأنه سمي بذلك لأنه ذو الحظ من الله، وقيل: كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه، وقيل: ضعف ثوابهم وقيل: كان يتكفل، وقيل: كان يتكفل بأمر من قام به { وأدخلناهم في رحمتنا } أي أنعمنا عليهم، بالنبوة، وقيل: بالجنة والثواب { إنهم من الصالحين } أي الفاعلين للصلاح في أمر دينهم، ثم ذكر قصة يونس وزكريا فقال سبحانه: { وذا النون } أي صاحب النون وهو يونس { إذ ذهب مغاضبا } لقومه يعني غضب على قومه حين عصوه ولم يؤمنوا به فخرج قبل أن يؤذن، وظن أنه لا يعد ذنبا فكانت صغيرة مغفورة من جهته { فظن أن لن نقدر عليه } يعني نضيق عليه، وقيل: ظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة، وقيل: ظن أن لن نقضي عليه بالرجوع إلى قومه، والقدرة بمعنى القضاء { فنادى في الظلمات } ، قيل: ظلمة الليل، وقيل: ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، وقيل: حوت في بطن حوت آخر، وروي أنه اقترع أهل السفينة وخرجت القرعة عليه ثلاث مرات فقام وقال: أنا العبد الآبق وألقى نفسه في الماء فابتلعه حوت واختلفوا كم مكث في بطنه قيل: أربعون يوما وليلة، وقيل: سبع أيام، وقيل: ثلاثة، وأمسك الله نفسه في بطن الحوت حيا معجزة له، وقوله: { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } لنفسي { فاستجبنا له } أي أجبنا دعاءه { ونجيناه من الغم } من غم البحر، وقيل: قذفه الحوت إلى الساحل ثم أرسله الله إلى قومه { وكذلك ننجي المؤمنين } إذا دعونا، وعن سعيد بن المسيب يرفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" اسم الله إذا دعي به أجاب دعاء يونس ". قال الراوي: قلت: يا رسول الله أله خاصة؟ قال: " له خاصة ولجميع المسلمين عامة ألم تسمع إلى قوله: { وكذلك ننجي المؤمنين } ".
Неизвестная страница